كتاب المسالك في شرح موطأ مالك (اسم الجزء: 7)

الحديث صحيح.
المعاني والفوائد:
قولُه: "اليدُ العليا خيرٌ من اليد السُّفلى" هذه المسألة مما اختلف النّاس فيها على ثلاثة أقوال (¬1):
القول الأوَّل: منهم من قال: اليدُ العليا يد المعطي للصّدقة.
والثّاني: منهم من قال: هي يد الآخِذِ، وفي الحديث معقِّبًا به: "اليدُ العليا المُنْفِقَةُ والسُّفلى السَّائِلةُ" وقد روى أبو داود (¬2) عن مالك بن نَضْلَة؛ قال: قال رسولُ الله: "الأيَدِي ثلاثةٌ: فَيَدُ اللهِ العليا، وَيَدُ المُعطِي التي تَلِيهَا، ويدُ السائلِ السُّفْلَى، فَأَعْطِ الفَضْلَ ولا تعجِز عن نفسك". وهذا هو القولُ الثّالث.
والقول الرّابع: ما رواه -أيضًا- أبو داود (¬3) فيه بدل "المُنفِقَة": "المُتَعَفِّفَة".
تنقيح (¬4):
فإن قلنا: إنّ اليد العليا يد المعطي، فلأنّها نائبة عن الله، إذ هو خازنه ووكيله
في الإعطاء، فأخذها منه فكأنّه يأخذها من يد الله عزَّ وجلَّ.
وقد قيل: اليد العليا يد السّائل (¬5) لقوله: "إنَّ الصَّدَقَةَ لتقعُ في كفِّ الرَّحمنِ قَبلَ أن تقعَ في يَدِ السّائل" والتّحقيق فيه: أنّ الله عزَّ وجلَّ عبّر باليد العليا عن يده المُعطِية، إذ هو يأمره، وعبّر عن يد السائل بالسُّفلى لأنه هو الذى يقبل الصّدقات، وكلتاهما يد الله، "وكلتا يَدَيه يمين" (¬6)، وعليا. فلذلك كان الأقوى أن تكون اليد العليا يد المُعطِي، ويبقى قوله: "اليد السُّفلى" على ظاهره؟ لأنها تتقبّلها، فكانت كالّذي يؤخذ بالكَفِّ ويقعُ في
¬__________
(¬1) انظرها في العارضة: 2/ 156 - 157.
(¬2) في سننه (1646).
(¬3) الحديث (1645).
(¬4) انظره في العارضة: 2/ 157.
(¬5) أخرجه الطبراني في الكبير (4891) عن ابن مسعود.
(¬6) أخرجه مسلم (1827) من حديث عبد الله بن عمرو.

الصفحة 599