كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 1)

مِنَ النُّظَّارِ.
وَهَذَا التَّمْثِيلُ وَالْمُوَازَنَةُ لَيْسَتْ صَحِيحَةً، بَلِ الْمُوَازَنَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ تَقُولَ: مَا أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا، فَتَجْعَلَ مَاضِيًا قَبْلَ مَاضٍ، كَمَا جَعَلْتَ هُنَاكَ مُسْتَقْبَلًا بَعْدَ مُسْتَقْبَلٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى أُعْطِيَكَ، فَهُوَ نَفْيٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى يَحْصُلَ مِثْلُهُ (¬1) فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَكُونُ قَبْلَهُ، فَقَدْ (¬2) نَفَى الْمُسْتَقْبَلَ حَتَّى يُوجَدَ الْمُسْتَقْبَلُ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ، لَمْ يَنْفِ (¬3) الْمَاضِيَ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ مَاضٍ فَإِنَّ هَذَا مُمْكِنٌ، وَالْعَطَاءُ الْمُسْتَقْبَلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنَ الْمُعْطِي، وَالْمُسْتَقْبَلُ الَّذِي لَهُ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ لَا يَكُونُ قَبْلَهُ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَإِنَّ وُجُودَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِيمَا يَتَنَاهَى مُمْتَنَعٌ.
فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ لِلنَّاسِ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى.

[التَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ]
وَالتَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ: تَسَلْسُلٌ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ كَالتَّسَلْسُلِ فِي الْعِلَلِ وَالْمَعْلُولَاتِ، وَهُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولَاتِ، فَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَسَلْسُلُ الْفَاعِلِينَ وَالْخَالِقِينَ وَالْمُحْدِثِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْمُحْدَثُ لَهُ مُحْدِثٌ، وَلِلْمُحْدِثِ مُحْدِثٌ [آخَرُ] (¬4) إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى امْتِنَاعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْدِثٍ لَا
¬_________
(¬1) مِثْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(¬2) ا، ب: فَعَلَ. وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬3) م (فَقَطْ) : لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ.
(¬4) آخَرُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

الصفحة 436