كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 1)
الْقَادِرُ أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَمَا فِي الْجَائِعِ مَعَ الرَّغِيفَيْنِ، وَالْهَارِبِ مَعَ الطَّرِيقَيْنِ.
وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ قَالُوا: نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُوجَدِ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ لِأَحَدِ الْمِثْلَيْنِ امْتَنَعَ الرُّجْحَانُ، وَإِلَّا فَمَعَ التَّسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُمْتَنَعُ الرُّجْحَانُ.
[تجويز المعتزلة والشيعة الترجيح بلا مرجح مكن الفلاسفة من القول بقدم العالم]
وَالْفَلَاسِفَةُ جَعَلُوا هَذَا (¬1) حُجَّةً فِي قِدَمِ الْعَالَمِ، فَقَالُوا: الْحُدُوثُ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ مُمْتَنَعٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا صَادِرًا عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ.
وَكَانُوا أَضَلَّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: مِثْلَ كَوْنِ قَوْلِهِمْ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ لَا فَاعِلَ لَهَا، فَإِنَّ الْفِعْلَ بِدُونِ الْإِحْدَاثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَمِنْ جِهَةٍ (* أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬2) بِالنَّقَائِصِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ (¬3) ، وَمِنْ جِهَةِ *) (¬4) أَنَّ الْعَالَمَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ مَشْهُودَةٌ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لَازِمَةً [لَهُ] (¬5) أَوْ حَادِثَةً فِيهِ، وَالْمُوجِبُ بِالذَّاتِ الْمُسْتَلْزِمُ لِمَعْلُولِهِ لَا يَحْدُثُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ فَاعِلٌ بِحَالٍ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ حَوَادِثَ لَا تَتَنَاهَى - كَمَا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ - وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ [شَيْءٍ] (¬6) مِنَ الْعَالَمِ حَادِثًا.
¬_________
(¬1) ن: هَذِهِ.
(¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(¬3) ا، ب وَصْفُهُ هُنَا
(¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬6) شَيْءٍ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا.
الصفحة 442