كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 1)

لَا عَلَى غَيْرِهِ (¬1) فَإِذَا خَلَقَ حَرَكَةً فِي مَحَلٍّ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِهَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَحَرِّكُ بِهَا هُوَ الْخَالِقُ لَهَا. وَكَذَلِكَ إِذَا خَلَقَ لَوْنًا أَوْ رِيحًا أَوْ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً فِي مَحَلٍّ، كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمُتَلَوِّنُ بِذَلِكَ اللَّوْنِ، الْمُتَرَوِّحُ بِتِلْكَ الرِّيحِ، الْعَالِمُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ، الْقَادِرُ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ. فَكَذَلِكَ إِذَا خَلَقَ كَلَامًا فِي مَحَلٍّ، كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ (¬2) هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ كَلَامًا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا لِخَالِقِهِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} [سُورَةُ طه: 14] كَلَامَ الشَّجَرَةِ لَا كَلَامَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَخْلُوقًا.
وَاحْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَتْبَاعُهُمُ الشِّيعَةُ (¬3) عَلَى ذَلِكَ بِالْأَفْعَالِ، فَقَالَتْ: كَمَا أَنَّهُ عَادِلٌ مُحْسِنٌ بِعَدْلٍ وَإِحْسَانٍ يَقُومُ بِغَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ هُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِغَيْرِهِ. وَكَانَ هَذَا حُجَّةً عَلَى مَنْ سَلَّمَ الْأَفْعَالَ لَهُمْ كَالْأَشْعَرِيِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فِعْلٌ يَقُومُ بِهِ، بَلْ يَقُولُ: الْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ لَا غَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى.
لَكِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ يَقُولُونَ: الْخَلْقُ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي (¬4) ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ (¬5) \ 248. عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ (¬6)
¬_________
(¬1) ن، م: لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) عِبَارَةُ " ذَلِكَ الْمَحَلُّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(¬3) ب: الْمُعْتَزِلَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ لِلشِّيعَةِ؛ ن، م: الْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ا) .
(¬4) ا، ب: وَالَّذِي.
(¬5) أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ، الْمَعْرُوفُ بِالْفَرَّاءِ، الْبَغَوِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْمُحَدِّثُ الْمُفَسِّرُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 510. تَرْجَمَتُهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/402؛ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 7 - 80؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 4/1257؛ الْأَعْلَامِ 2
(¬6) ن، م: وَذَكَرَهُ.

الصفحة 457