كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 1)

حَتَّى إِنِّي أَعْلَمُ طَائِفَةً مِنْ حُذَّاقِ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَجُلًا عَاقِلًا أَقَامَ الرِّيَاسَةَ بِعَقْلِهِ وَحِذْقِهِ، يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُبَاطِنًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ يَعْلَمُ أَسْرَارَهُ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.
فَقَدْ ظَهَرَ لِعَامَّةِ الْخَلَائِقِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) كَانَ أَخَصَّ النَّاسِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا النَّبِيُّ وَهَذَا صِدِّيقُهُ، فَإِذَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ فَصِدِّيقُهُ أَفْضَلُ الصِّدِّيقِينَ.
فَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ دَلَّتِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ عَلَى صِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا وَرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] لَهُ (¬2) بِهَا، وَانْعَقَدَتْ بِمُبَايَعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهُ اخْتِيَارًا اسْتَنَدُوا فِيهِ إِلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ تَفْضِيلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّهُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَصَارَتْ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ جَمِيعًا.
وَلَكِنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِهَا (¬3) ، وَأَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَا وَقَدَّرَهَا، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَخْتَارُونَهَا، وَكَانَ هَذَا أَبْلَغَ مِنْ مُجَرَّدِ الْعَهْدِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ يَكُونُ طَرِيقُ ثُبُوتِهَا مُجَرَّدَ الْعَهْدِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اخْتَارُوهُ مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ، وَدَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى صَوَابِهِمْ فِيمَا فَعَلُوهُ، وَرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى
¬_________
(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(¬2) ن، م: وَرَسُولِهِ بِهَا.
(¬3) ن (فَقَطْ) : عَلَى رِضَا اللَّهِ عَنْهُ وَرَسُولِهِ بِهَا.

الصفحة 524