كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 1)

" نَعَمْ ". قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: " يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ " (¬1) . قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» " (¬2) .
وَهَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ عَنِ الْخَيْرِ الثَّانِي: " «صُلْحٌ عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا، وَقُلُوبٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ» (¬3) ".
فَكَانَ الْخَيْرُ الْأَوَّلُ النُّبُوَّةَ (¬4) وَخِلَافَةَ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا فِتْنَةَ فِيهَا، وَكَانَ الشَّرُّ مَا حَصَلَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَتَفَرُّقِ النَّاسِ، حَتَّى صَارَ حَالُهُمْ شَبِيهًا بِحَالِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ (¬5) : وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
¬_________
(¬1) ب: الْإِنْسُ، وَمَا أَثْبَتَهُ هُوَ الَّذِي فِي نُسْخَتَيْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ النَّوَوِيِّ.
(¬2) صَحِيحِ مُسْلِمٍ 3/1476. وَفِيهِ وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ 12/238: لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ.
(¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/135 - 137 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/386 - 387، 403. وَفِي اللِّسَانِ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِتْنَةٍ ذَكَرَهَا: هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ؛ الْأَقْذَاءُ: جَمَعَ قَذًى، وَالْقَذَى: جَمْعُ قَذَاةٍ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ تِبْنٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَرَادَ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى فَسَادٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَشَبَّهَهُ بِقَذَى الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ.
(¬4) ن، م: وَكَانَ الْخَيْرُ الْأَوَّلُ لِلنُّبُوَّةِ.
(¬5) ن، م: الْأَزْهَرِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَعَالِمُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ؛ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِمْ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 124 وَقِيلَ: سَنَةَ 125. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/445 - 451؛ الْخُلَاصَةُ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 306 - 307.

الصفحة 559