كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

بْنِ الْمُنْذِرِ (¬1) وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ.
وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ الصِّفَاتِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، فَإِنَّهُ مُجَسِّمٌ مُشَبِّهٌ، وَالتَّجْسِيمُ بَاطِلٌ. وَشُبْهَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ لَا تَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ، وَمَا قَامَ بِهِ الْكَلَامُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصِّفَاتِ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا، وَلَا يَرَى إِلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ.

وَلِهَذَا صَارَ مُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ مَعَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى، وَطَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَطَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ نِزَاعًا مُطْلَقًا فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَلَمْ تُطْلِقْ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَلْفَاظًا مُجْمَلَةً مُبْتَدَعَةً لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَلَا هِيَ صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ، بَلِ اعْتَصَمَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَعْطَتِ الْعَقْلَ حَقَّهُ، فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ.

فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى الْكُلَّابِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الْكَرَّامِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.
فَالْأُولَى قَالُوا: إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ (¬2) الصِّفَاتُ، وَيُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالْقُرْآنُ
¬_________
(¬1) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ شَيْخُ الْحَرَمِ فَقِيهٌ مُجْتَهِدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ صَنَّفَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ كُتُبًا لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهَا. وُلِدَ سَنَةَ 242 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 318 - عَلَى الْأَرْجَحِ - انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 3/344 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 96 - 197 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/27 - 28 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/782 - 783 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/102 - 108 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 6/184.
(¬2) أ: قَالُوا: يَقُولُ إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الصفحة 107