كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

فَكَذَلِكَ وُجُودُهُ يَخُصُّهُ، وَالْغَلَطُ نَشَأَ مِنْ جِهَةِ [أَخْذِ] (¬1) الْوُجُودِ مُطْلَقًا، وَأَخْذِ الْحَقِيقَةِ مُخْتَصَّةً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا وَمُخْتَصًّا، فَالْمُطْلَقُ مُسَاوٍ لِلْمُطْلَقِ، وَالْمُخْتَصُّ مُسَاوٍ لِلْمُخْتَصِّ، فَالْوُجُودُ الْمُطْلَقُ مُطَابِقٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَوُجُودُهُ (¬2) الْمُخْتَصُّ مُطَابِقٌ لِحَقِيقَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ، وَالْمُسَمَّى بِهَذَا وَهَذَا وَاحِدٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ جِهَةُ التَّسْمِيَةِ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا هُوَ ذَاكَ فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ وَاحِدٌ، لَكِنْ بِوَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
[وَأَيْضًا فَإِذَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَمْتَازُ عَنِ الْآخَرِ بِوُجُودِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ، كَمَا أَنَّ الْحَيَوَانَيْنِ وَالْإِنْسَانَيْنِ إِذَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْحَيَوَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِحَيَوَانِيَّةٍ تَخُصُّهُ وَإِنْسَانِيَّةٍ تَخُصُّهُ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْوُجُودَ الْكُلِّيَّ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، لَكَانَ التَّمْيِيزُ يَحْصُلُ بِوُجُودٍ خَاصٍّ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ وُجُودٍ وَمَاهِيَّةٍ، فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؟ .
وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ وُجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ سَلْبِ كُلِّ أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ، فَقَوْلُهُ أَفْسَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ] (¬3) وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلَّهِ، لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ مُشَبَّهًا مُمَاثِلًا لِخَلْقِهِ.

[التعليق على قوله أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ " (¬4) .
¬_________
(¬1) أَخْذِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(¬2) أ: وَوُجُودُ ; ب: وَالْوُجُودُ.
(¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬4) هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَرَدَتْ ضِمْنَ كَلَامِهِ السَّابِقِ ص 97 وَهِيَ فِي مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ 1/82 (م) ، وَفِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ: لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا.

الصفحة 120