كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
[فَهَذَا الِاسْمُ هُوَ اسْمٌ لِلرَّبِّ (¬1) الْحَيِّ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ، وَيَمْتَنِعُ حَيٌّ لَا حَيَاةَ لَهُ، وَعَلِيمٌ لَا عِلْمَ لَهُ، وَقَدِيرٌ لَا قُدْرَةَ لَهُ، كَمَا يَمْتَنِعُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ.
وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: صِفَاتُهُ زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا أَثْبَتَهُ النُّفَاةُ، لَا أَنَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنِ الصِّفَاتِ وَصِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهَا، فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ.
وَمَنْ حَكَى عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مَعَ اللَّهِ ذَوَاتًا قَدِيمَةً بِقِدَمِهِ، وَأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى تِلْكَ الذَّوَاتِ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ. فَإِنَّ لِلنُّظَّارِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: ثُبُوتُ الصِّفَاتِ، وَثُبُوتُ الْأَحْوَالِ، وَنَفْيُهُمَا جَمِيعًا، وَثُبُوتُ الْأَحْوَالِ دُونَ الصِّفَاتِ (¬2)
¬_________
(¬1) فَهَذَا الِاسْمُ هُوَ اسْمٌ لِلرَّبِّ (ص 124) . . وَإِذَا كَانَتْ صِفَةُ النَّبِيِّ الْمُحْدَثِ (ص [0 - 9] 30) . سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَأُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ نِهَايَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
(¬2) الْقَائِلُ بِالْأَحْوَالِ هُوَ أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ (انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِيمَا سَبَقَ 1/270 ت [0 - 9] ) . وَيُلَخِّصُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ مَذْهَبَهُ فِي الْأَحْوَالِ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1 - 76 كَالْآتِي: " وَعِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ: هُوَ عَالَمٌ لِذَاتِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ " ذُو حَالَةٍ " هِيَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ وَرَاءَ كَوْنِهِ ذَاتًا مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ الصِّفَةُ عَلَى الذَّاتِ لَا بِانْفِرَادِهَا، فَأَثْبَتَ " أَحْوَالًا " هِيَ صِفَاتٌ: لَا مَوْجُودَةً وَلَا مَعْدُومَةً، وَلَا مَعْلُومَةً وَلَا مَجْهُولَةً، أَيْ هِيَ عَلَى حِيَالِهَا لَا تُعْرَفُ كَذَلِكَ بَلْ مَعَ الذَّاتِ. قَالَ: وَالْعَقْلُ يُدْرِكُ فَرْقًا ضَرُورِيًّا بَيْنَ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ عَلَى صِفَةٍ، فَلَيْسَ مَنْ عَرَفَ الذَّاتَ عَرَفَ كَوْنَهُ عَالِمًا، وَلَا مَنْ عَرَفَ الْجَوْهَرَ عَرَفَ كَوْنَهُ مُتَحَيِّزًا قَابِلًا لِلْعَرْضِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُدْرِكُ اشْتِرَاكَ الْمَوْجُودَاتِ فِي قَضِيَّةٍ وَافْتِرَاقِهَا فِي قَضِيَّةٍ، وَبِالضَّرُورَةِ يَعْلَمُ أَنَّ مَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ غَيْرُ مَا افْتَرَقَتْ بِهِ، وَهَذِهِ الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةُ لَا يُنْكِرُهَا عَاقِلٌ، وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إِلَى الذَّاتِ وَلَا إِلَى أَعْرَاضٍ وَرَاءَ الذَّاتِ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، فَتَعَيَّنَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا " أَحْوَالٌ " فَكَوْنُ الْعَالَمِ عَالِمًا " حَالٌ " هِيَ صِفَةٌ وَرَاءَ كَوْنِهِ ذَاتًا، أَيِ الْمَفْهُومُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَفْهُومِ مِنَ الذَّاتِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ قَادِرًا حَيًّا. . ثُمَّ أَثْبَتَ لِلْبَارِي تَعَالَى " حَالَةً أُخْرَى أَوْجَبَتْ تِلْكَ " الْأَحْوَالَ ".
وَانْظُرْ عَنِ " الْأَحْوَالِ " أَيْضًا: أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 2 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 17 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 3 - 54 ; نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ، ص 131 - 149، الْمُعْتَزِلَةَ لِزُهْدِي جَار اللَّهِ، ص 69 - 70 ; فَلْسَفَةَ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَلْبِير نَصْرِي نَادِر 1/225 - 230، دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَادَّةُ " الْجُبَّائِيِّ " وَمَادَّةِ " الْحَالِ ".
الصفحة 124