كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمَ الْمَخْلُوقِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلْقٌ آخَرُ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ.
قَدْ أَجَابَهُ النَّاسُ بِأَجْوِبَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِقِدَمِ الْخَلْقِ دُونَ الْمَخْلُوقِ، وَعَارَضُوهُ بِالْإِرَادَةِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مُحْدَثٌ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ الْخَلْقُ، وَهَذَا جَوَابُ كَثِيرٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ.
وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلِ الْخَلْقُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ عِنْدَهُ كُلَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ، فَإِذَا لَمْ يَفْتَقِرْ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَى خَلْقٍ عِنْدِهِ، فَأَنْ (¬1) لَا يَفْتَقِرُ الْخَلْقُ الَّذِي بِهِ خُلِقَ الْمَخْلُوقُ إِلَى خَلْقٍ أَوْلَى، وَهَذَا جَوَابُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: الْخَلْقُ قَائِمٌ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَائِمٌ لَا فِي مَحَلٍّ، كَمَا يَقُولُ الْبَصْرِيُّونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْإِرَادَةِ.
وَطَائِفَةٌ الْتَزَمَتِ التَّسَلْسُلِ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ صِنْفَانِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِوُجُودِ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّادٍ (¬2) وَأَصْحَابِهِ.
¬_________
(¬1) أ: فَإِنَّهُ.
(¬2) هُوَ مَعْمَرُ بْنُ عَبَّادٍ السَّلَمِيُّ: مُعْتَزِلِيٌّ مِنَ الْغُلَاةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، سَكَنَ بَغْدَادَ، وَنَاظَرَ النَّظَّامَ، وَكَانَ أَعْظَمَ الْقَدَرِيَّةِ غُلُوًّا، وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ تُعْرَفُ بِالْمَعْمَرِيَّةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 215 وَيُقَالُ حَوَالِي سَنَةَ 220. قَالَ عَنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمَعَانِي أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيِّ فِي كِتَابِهِ " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ ". (ضِمْنَ كِتَابِ فَضْلِ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ) ص [0 - 9] 1، تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ فُؤَاد سَيِّد، ط. تُونِسَ، 1393/1974: " وَالَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوْلُ بِالْمَعَانِي، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ الْحَرَكَةَ إِنَّمَا خَالَفَتِ السُّكُونَ لِمَعْنَى هُوَ غَيْرُهَا، وَكَذَلِكَ السُّكُونُ إِنَّمَا خَالَفَ الْحَرَكَةَ بِمَعْنَى هُوَ غَيْرُهُ، وَأَنْ ذَيْنَكَ الْمَعْنَيَيْنِ إِنَّمَا اخْتَلَفَا أَيْضًا بِمَعْنًى هُوَ غَيْرُهُمَا، ثُمَّ كَذَلِكَ كُلُّ مَعْنَيَيْنِ اخْتَلَفَا بِمَعْنَيَيْنِ غَيْرِهِمَا إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ.، وَانْظُرْ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبَّادٍ وَعَنْ آرَائِهِ: فَضْلَ الِاعْتِزَالِ، ص [0 - 9] 66 - 267 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 1 - 94 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/65 - 67 ; الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ ص [0 - 9] 5 - 48، (ط. بَيْرُوتَ، 1957) ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 6/71 (وَقَالَ عَنِ اسْمِهِ: بِالتَّشْدِيدِ) ; خُطَطَ الْمَقْرِيزِيِّ 2/347 ; اللُّبَابَ 3/161 ; الْأَعْلَامَ 8/190. وَانْظُرْ عَنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمَعَانِي: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ لِلْأَشْعَرِيِّ 1/228 - 229، 2 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 45 الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/161 - 163 ; الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، ص [0 - 9] 6 - 47 ; فَلْسَفَةَ الْمُعْتَزِلَةِ لِلدُّكْتُورِ أَلْبِير نَصْرِي نَادِر 1/221 - 224 ; الْمُعْتَزِلَةَ لِلْأُسْتَاذِ زُهْدِي جَارِ اللَّهِ، ص [0 - 9] 7، 67 - 69.

الصفحة 128