كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

قِيلَ لَهُ: (* هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْتُ نَفْيَهُ (¬1) بِهَذَا اللَّفْظِ مَعْنًى ثَابِتٌ بِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَأَنْتَ لَمْ تُقِمْ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ.
وَأَمَّا اللَّفْظُ فَبِدْعَةٌ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا إِطْلَاقُ لَفْظِ " الْجِسْمِ " فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا.
وَكَذَلِكَ لَفَظُ " الْجَوْهَرِ " وَ " الْمُتَحَيِّزِ " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنَازَعُ أَهْلُ الْكَلَامِ الْمُحْدَثَ فِيهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.
وَإِنْ قَالَ:. . كُلُّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَيُرَى وَتُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬2) ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ.
قِيلَ لَهُ: هَذَا مَحَلُّ نِزَاعٍ، فَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَنْفُونَ ذَلِكَ، وَأَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا، وَهَذَا مُنْتَهَى نَظَرِ النُّفَاةِ، فَإِنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَهُمْ أَنْ تَقُومَ بِهِ الصِّفَاتُ، وَيَقُومَ بِهِ الْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْأَفْعَالُ، وَمَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ بِالْأَبْصَارِ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬3) ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ الْعِبَارَةِ فَإِلَى هَذَا يَعُودُ.
وَقَدْ تَنَوَّعَتْ طُرُقُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ لَهُمْ أَنَّهُ يَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ مِنَ الْأَفْعَالِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا، وَنَازَعَهُمْ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا شَيْءٌ بِالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ.
¬_________
(¬1) هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْتُ نَفْيَهُ. . وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ (ص [0 - 9] 44) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَأُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ.
(¬2) أ: الْمُفْرَدَةِ.
(¬3) أ: الْمُنْفَرِدَةِ.

الصفحة 135