كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ فَجَمِيعُ جَوَاهِرِهِ بَاقِيَةٌ قَدْ تَفَرَّقَتْ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِعَادَةِ يَجْمَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَلِهَذَا صَارَ كَثِيرٌ مِنْ حُذَّاقِهِمْ إِلَى التَّوَقُّفِ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ، كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ (¬1) وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْغَزَالِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ تَبَيَّنَ لَهُمْ فَسَادُ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ، يَذُمُّونَ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَحْسَنَ أَمْرِهِمُ الشَّكُّ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَافَقُوهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا قَالُوهُ مِنَ الْبَاطِلِ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِتَرْكِيبِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬2) الْمَحْسُوسَةِ أَوِ الْجَوَاهِرِ الْمَعْقُولَةِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَكَذَلِكَ مَا يُثْبِتُهُ الْمَشَّاءُونَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ: كَالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ الْمُجَرَّدَةِ، كَالْمَادَّةِ وَالْمُدَّةِ وَالْمُثُلِ الْأَفْلَاطُونِيَّةِ، وَالْأَعْدَادِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي يُثْبِتُهَا - أَوْ بَعْضَهَا - كَثِيرٌ مِنَ الْمَشَّائِينَ أَتْبَاعِ فِيثَاغُورْسَ وَأَفْلَاطُونَ (¬3) وَأَرِسْطُو. وَإِذَا حَقَّقَ الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَثْبَتُوهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وُجُودٌ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَهَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ (¬4) ، وَهَذَا الْمُصَنَّفُ لَمْ يَذْكُرْ لِقَوْلِهِ إِلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، فَلِذَلِكَ لَمْ نَبْسُطِ الْقَوْلَ فِيهِ.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ آخِرَ مَا يُنْتَهَى إِلَيْهِ أَصْلُ هَؤُلَاءِ - الَّذِي
¬_________
(¬1) أ، ب: كَأَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) أ: الْمُنْفَرِدَةِ.
(¬3) أ: وَأَفْلَاطُنْ.
(¬4) لِابْنِ تَيْمِيَّةَ كِتَابُ " إِبْطَالُ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ بِإِثْبَاتِ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ مِنْ مَنَاقِبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَّةَ، ص 36 ; ابْنِ الْجَوْزِيَّةِ: أَسْمَاءُ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، ص [0 - 9] 0. وَهَذَا الْكِتَابُ مِنْ كُتُبِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْمَفْقُودَةِ.
الصفحة 141