كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

إِنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي يُثْبِتُهُ هَؤُلَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.
وَلِهَذَا لَمَّا بَنَى (¬1) الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، كَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي ادَّعَوْا فِيهِ مَا ادَّعَوْا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ يَمْتَنِعُ (¬2) وُجُودُهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ كَمَا يُقَدَّرُ سَائِرُ الْمُمْتَنِعَاتِ.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ لَمَّا أَثْبَتُوا وَاحِدًا لَا يَتَّصِفُ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ، كَانُوا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ، إِنَّمَا تَوْحِيدُهُمْ تَعْطِيلٌ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ الْخَالِقِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَثْبَتُوهُ فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ، جَمَعُوا بَيْنَ مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ وَمَا يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتُهُ.
وَلِهَذَا وَصَفَهُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ بِالتَّعْطِيلِ، وَأَنَّهُمْ دَلَّاسُونَ وَلَا يُثْبِتُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْبُدُونَ شَيْئًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، مِثْلَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ (¬3) وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ (¬4) وَحَمَّادِ
¬_________
(¬1) أ: بَيَّنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) أ: وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ.
(¬3) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَاجِشُونُ. فَقِيهٌ وَمِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 164. تَرْجَمْتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/343 - 344 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1 - 207 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/259 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 10/436 - 439 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/414 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/145 - 146.
(¬4) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ وَاضِحٍ الْمَرْوَزِيُّ بْنُ حَنْظَلَةَ، الْحَافِظُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وُلِدَ سَنَةَ 118 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 181 وَقِيلَ سَنَةَ 182. تَرْجَمْتُهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/253 - 257 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 10/152 - 169 ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 2/237 - 239 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/372 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/256.

الصفحة 143