كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَ فِي نَظِيرِهِ، وَإِلَّا فَقَبُولُهُ فِي أَحَدِ الْمُتَمَاثِلِينَ وَرَدُّهُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمٌ.
وَهَؤُلَاءِ بَنَوْا كَلَامَهُمْ عَلَى أُصُولٍ مُتَنَاقِضَةٍ، فَإِنَّ الْوَهْمَ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ تُدْرِكُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، وَهَذَا الْوَهْمُ لَا يُدْرِكُ إِلَّا مَعْنًى جُزْئِيًّا لَا كُلِّيًّا كَالْحِسِّ وَالتَّخَيُّلِ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْكُلِّيَّةُ فَهِيَ عَقْلِيَّةٌ، فَحُكْمُ الْفِطْرَةِ بِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودَيْنِ إِمَّا مُتَحَايِثَانِ (¬1) وَإِمَّا مُتَبَايِنَانِ، وَبِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْدُومًا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَا هُوَ كَذَلِكَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَحْكَامٌ كُلِّيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ، لَيْسَتْ أَحْكَامًا جُزْئِيَّةً شَخْصِيَّةً فِي جِسْمٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهَا مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: [إِنَّ] (¬2) حُكْمَ الْوَهْمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُدْرِكُ مَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً، أَيْ: لَا يُمْكِنُ إِحْسَاسُهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ أَوْ تُمْكِنُ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ، [فَسَلَفُ الْأُمَّةِ] (¬3) وَأَئِمَّتُهَا وَجُمْهُورُ نُظَّارِهَا وَعَامَّتُهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَرُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَسَائِرِ مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا رُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ (¬4) الَّتِي يُسَمِّيهَا هُوَ (¬5) الْمُجَرَّدَاتِ
¬_________
(¬1) ن، م: مُتَجَانِبَانِ.
(¬2) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(¬3) فَسَلَفُ الْأُمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬4) أ، ب: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا رُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ. . إِلَخْ.
(¬5) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

الصفحة 149