كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
ثُمَّ يُقَالُ لَكَ: إِذَا جَوَّزْتَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفِطْرَةِ حَاكِمَانِ بَدِيهِيَّانِ: أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ بَاطِلٌ، وَالْآخَرُ حُكْمُهُ حَقٌّ، لَمْ يُوَثَّقْ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْفِطْرَةِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْحَقِّ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْحُكْمِ الْبَاطِلِ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى تُعْرَفَ الْمُقَدِّمَاتُ الْبَدِيهِيَّةُ الْفِطْرِيَّةُ، الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ بَاطِلٌ، فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا (¬1) أَنْ لَا يُعْرَفَ شَيْءٌ بِحُكْمِ الْفِطْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْحَقُّ حَتَّى يُعْرَفُ الْبَاطِلُ، وَلَا يُعْرَفُ الْبَاطِلُ حَتَّى يُعْرَفَ الْحَقُّ، فَلَا يُعْرَفُ الْحَقُّ بِحَالٍ.
وَأَيْضًا، فَالْأَقْيِسَةُ الْقَادِحَةُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْفِطْرِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ أَقْيِسَةٌ نَظَرِيَّةٌ، وَالنَّظَرِيَّاتُ مُؤَلَّفَةٌ مِنَ الْبَدِيهِيَّاتِ، فَلَوْ جَازَ الْقَدْحُ فِي الْبَدِيهِيَّاتِ بِالنَّظَرِيَّاتِ لَزِمَ فَسَادُ الْبَدِيهِيَّاتِ وَالنَّظَرِيَّاتِ، فَإِنَّ فَسَادَ الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ فَرْعِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ سَوَّغَ الْقَدْحَ فِي الْقَضَايَا الْبَدِيهِيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ [الْفِطْرِيَّةِ بِقَضَايَا] نَظَرِيَّةٍ (¬2) ، فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ بَلْ وَالسَّمْعِيَّةِ.
وَأَيْضًا لَفْظُ " الْوَهْمِ " فِي اللُّغَةِ الْعَامَّةِ يُرَادُ بِهِ الْخَطَأُ، وَأَنْتَ أَرَدْتَ بِهِ قُوَّةً تُدْرِكُ مَا فِي الْأَجْسَامِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً، وَحِينَئِذٍ فَالْحَاكِمُ بِهَذَا الِامْتِنَاعِ إِنْ كَانَ حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِ جِسْمٍ فَلَيْسَ هُوَ الْوَهْمَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا حَكَمَ بِهِ فِي جِسْمٍ فَحُكْمُهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُ الْوَهْمِ فِيمَا لَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ فِيهِ؟ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا تَحْكُمُ بِهِ (¬3) الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ مِنَ الْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الْمَعْلُومَةِ
¬_________
(¬1) ن، م: فَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا. .
(¬2) ن (فَقَطْ) : الْبَدِيهِيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬3) ن، م: مَا لَا تَحْكُمُ بِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
الصفحة 151