كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ يُقَرِّرُ هَذَا الْأَصْلَ قَالَ تَعَالَى: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 1 - 5] ، فَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانَهُ بِالْهُدَى وَالْفَلَاحِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَوْصُوفِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَةُ طه: 123 - 126] ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى الَّذِي أَتَانَا مِنْهُ، وَهُوَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي أَنْزَلَهُ، وَهُوَ كُتُبَهُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُلَهُ (¬1) ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} .
وَالذِّكْرُ مَصْدَرٌ يُضَافُ تَارَةً (¬2) إِلَى الْفَاعِلِ وَتَارَةً إِلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا يُقَالُ: دَقَّ الثَّوْبُ، وَدَقَّ الْقَصَّارُ (¬3) ، وَيُقَالُ (¬4) : أَكْلُ زَيْدٍ، وَأَكْلُ الطَّعَامِ،
¬_________
(¬1) ن: الَّتِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ ; م: الَّذِي بُعِثَ بِهَا الرُّسُلُ.
(¬2) أ، ب: تَارَةً يُضَافُ.
(¬3) قَصَرَ الثَّوْبَ وَقَصَّرَهُ (بِتَضْعِيفِ الصَّادِ) قِصَارَةً وَقَصْرًا حَوَّرَهُ وَدَقَّهُ بِالْقَصَرَةِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْخَشَبِ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ الْقَصَّارُ (انْظُرِ: اللِّسَانَ) .
(¬4) ن: نَقُولُ ; م: وَنَقُولُ.
الصفحة 155