كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
يَكُونُ مُفْتَقِرًا إِلَى شَيْءٍ مُبَايِنٍ لَهُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا (¬1) قُدِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ - كَمَا يَظُنُّهُ مَنْ يَظُنُّهُ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ - فَهَذَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَمَالٌ مُغَايِرٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ شَيْئَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ لَلَزِمَ تَعَدُّدُ الْمَعَانِي فِيهِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (¬2) .
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ فِيهِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةً ; فَوَاجِبُ الْوُجُودِ هُوَ مَجْمُوعُ تِلْكَ الْأُمُورِ الْمُتَلَازِمَةِ، إِذْ يَمْتَنِعُ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْهَا دُونَ شَيْءٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَوِ افْتَقَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ إِلَى أَمْرٍ مُنْفَصِلٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، وَذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِ نَفْسِهِ ; وَفِي سَائِرِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِ نَفْسِهِ (¬3) لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا إِلَّا بِهَا، فَلَا يَكُونُ مُفْتَقِرًا فِيهَا إِلَى شَيْءٍ مُبَايِنٍ لَهُ أَصْلًا.
وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي كَوْنِهِ حَيًّا أَوْ عَالِمًا أَوْ قَادِرًا إِلَى غَيْرِهِ، فَذَلِكَ الْغَيْرُ: إِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَانَ مُفْتَقَرًا إِلَيْهِ، وَكَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ رَبَّهُ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُؤَثِّرًا فِي هَذَا، وَهَذَا مُؤَثِّرًا فِي هَذَا، وَتَأْثِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ أَثَرِهِ فِيهِ ; لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا، فَلَا يَكُونُ هَذَا حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا
¬_________
(¬1) ن، م: إِنَّ.
(¬2) أ: وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مُفْتَقَرٌ ; ب: وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَكَلِمَةُ " مُفْتَقَرٌ " لَا تَتَّفِقُ مَعَ سِيَاقِ الْجُمْلَةِ.
(¬3) ن، م: فِي مُسَمَّى اسْمِهِ.
الصفحة 170