كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
الَّذِي خَلَقَهُ غَيْرَ الَّذِي خَلَقَ مَا (¬1) يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَالَّذِي خَلَقَ مَادَّتَهُ كَمَنِيِّ الْأَبَوَيْنِ وَدَمِ الْأُمِّ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ، وَالَّذِي خَلَقَ الْهَوَاءَ الَّذِي يَسْتَنْشِقُهُ وَالْمَاءَ الَّذِي يَشْرَبُهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ ; لِأَنَّ خَالِقَ ذَلِكَ [لَوْ] (¬2) كَانَ خَالِقًا غَيْرَ خَالِقِهِ، فَإِنْ كَانَا خَالِقَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَغْنٍ عَنِ الْآخَرِ فِي فِعْلِهِ وَمَفْعُولِهِ، كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَادَّةِ وَالرِّزْقِ، فَلَوْ كَانَ خَالِقُ مَادَّتِهِ وَرِزْقِهِ غَيْرَ خَالِقِهِ، لَمْ يَكُنْ مَفْعُولُ أَحَدِهِمَا مُسْتَغْنِيًا عَنْ مَفْعُولِ الْآخَرِ.
فَتَبَيَّنَ [بِذَلِكَ] (¬3) أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ فَاعِلَانِ، مَفْعُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَغْنٍ عَنْ مَفْعُولِ الْآخَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 91] .
وَيَمْتَنِعُ (¬4) أَنْ يَكُونَا مُسْتَقِلَّيْنِ ; لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَا مُتَعَاوِنَيْنِ مُتَشَارِكَيْنِ، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقِينَ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْمَفْعُولَاتِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فَاعِلًا إِلَّا بِإِعَانَةِ الْآخَرِ لَهُ، وَإِعَانَتُهُ فِعْلٌ مِنْهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، بَلْ [وَبِعِلْمِهِ] (¬5) وَإِرَادَتِهِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مُعِينًا لِذَاكَ حَتَّى يَكُونَ ذَاكَ مُعِينًا لِهَذَا، وَلَا يَكُونُ ذَاكَ (¬6) مُعِينًا لِهَذَا حَتَّى يَكُونَ هَذَا مُعِينًا لِذَاكَ ; وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مُعِينًا لِذَاكَ وَلَا ذَاكَ
¬_________
(¬1) عِبَارَةُ " خَلْقَ مَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَفِي (أ) : غَيْرَ الَّذِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.
(¬2) لَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(¬3) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬4) ن (فَقَطْ) : وَمُمْتَنِعٌ.
(¬5) ن، م: وَبِعَمَلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬6) ن، م: هَذَا.
الصفحة 181