كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

الْمَعْدُومُ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي الْمَوْجُودِ (¬1) ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْكَمَالَ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَحْصُلَ وَجَائِزًا أَنْ لَا يَحْصُلَ، لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا إِلَّا بِسَبَبٍ آخَرَ، فَيَكُونُ وَاجِبُ الْوُجُودِ مُفْتَقِرًا فِي كَمَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ هَذَا أَيْضًا.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْكَمَالَ لَازِمٌ لِوَاجِبِ الْوُجُودِ وَاجِبٌ لَهُ يَمْتَنِعُ سَلْبُ الْكَمَالِ عَنْهُ، وَالْكَمَالُ أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ، فَالْأُمُورُ الْعَدَمِيَّةُ لَا تَكُونُ كَمَالًا إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَتْ أُمُورًا وُجُودِيَّةً، إِذِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِذَا ذَكَرَ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ تَنْزِيهِهِ وَنَفْيِ النَّقَائِصِ عَنْهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255] فَنَفِيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَيَاةِ وَالْقَيُّومِيَةِ، وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 3] ، فَإِنَّ نَفْيَ عُزُوبِ ذَلِكَ عَنْهُ يَتَضَمَّنُ عِلْمَهُ بِهِ، وَعِلْمُهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [سُورَةُ ق: 38] ، فَتَنْزِيهُهُ لِنَفْسِهِ عَنْ مَسِّ اللُّغُوبِ يَقْتَضِي كَمَالَ قُدْرَتِهِ، وَالْقُدْرَةُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَتَنْزِيهُهُ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ حَيَاتِهِ وَقِيَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهَكَذَا نَظَائِرُ ذَلِكَ.
فَالرَّبُّ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا غَايَةَ فَوْقَهَا، إِذْ كُلُّ غَايَةٍ تَفْرِضُ كَمَالًا إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لَهُ أَوْ مُمْكِنَةً أَوْ مُمْتَنِعَةً. وَالْقِسْمَانِ
¬_________
(¬1) أ، ب: الْوُجُودِ.

الصفحة 183