كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
فِي " إِشَارَاتِهِ " (¬1) فَجَعَلَ الْأُفُولَ هُوَ الْإِمْكَانَ، وَجَعْلَ كُلَّ مُمْكِنٍ آفِلًا، وَأَنَّ الْأُفُولَ هُوِيٌّ فِي حَظِيرَةِ الْإِمْكَانِ (¬2) وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مَا سِوَى اللَّهِ آفِلًا (¬3) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَرْمَطَةِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ آفِلًا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} فَإِنَّ قَوْلَهُ: {فَلَمَّا أَفَلَ} يَقْتَضِي حُدُوثَ الْأُفُولِ لَهُ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ: " الْأُفُولُ " لَازِمٌ لَهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ آفِلًا (¬4) ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُ إِبْرَاهِيمَ بِالْأُفُولِ الْإِمْكَانَ، وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوْكَبِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَنْ يَنْتَظِرَ أُفُولَهَا.
وَأَيْضًا، فَجَعْلُ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ الْوَاجِبِ [بِغَيْرِهِ] (¬5) أَزَلًا وَأَبَدًا مُمْكِنًا قَوْلٌ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ سِينَا وَمَنْ تَابَعَهُ (¬6) ، وَهُوَ قَوْلٌ (¬7) مُخَالِفٌ لِجُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ مِنْ سَلَفِهِمْ وَخَلَفِهِمْ (¬8) .
¬_________
(¬1) ب (فَقَطْ) : إِشَارَتِهِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) ن: فِي حَظِيرَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَهُوَ خَطَأٌ ; م: هُوَ فِي حَظِيرَةِ الشَّمْسِ.
(¬3) قَالَ ابْنُ سِينَا: (الْإِشَارَاتُ التَّنْبِيهَاتُ، ص 531 - 532 ط. الْمَعَارِفِ) " قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ الْمَحْسُوسَ مَوْجُودٌ لِذَاتِهِ، وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ، لَكِنَّكَ إِذَا تَذَكَّرْتَ مَا قِيلَ لَكَ فِي شَرْطِ وَاجِبِ الْوُجُودِ لَمْ تَجِدْ هَذَا الْمَحْسُوسَ وَاجِبًا، وَتَلَوْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) فَإِنَّ الْهَوَى فِي حَظِيرَةِ الْإِمْكَانِ أُفُولٌ مَا ".
(¬4) آفِلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬5) بِغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬6) أ، ب: اتَّبَعَهُ.
(¬7) قَوْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬8) أ، ب: وَغَيْرِهِمْ.
الصفحة 197