كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

[عود إلى الكلام على معاني لفظ الجسم]
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي " الْجِسْمِ " وَفِي إِدْخَالِ لَفْظِ " الْجِسْمِ " فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفِي التَّوْحِيدِ، وَكَانَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَصَارَ النَّاسُ فِي لَفْظِ " الْجِسْمِ " عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
طَائِفَةٌ تَقُولُ: إِنَّهُ جِسْمٌ، وَطَائِفَةٌ تَقُولُ: لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَطَائِفَةٌ تَمْتَنِعُ عَنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِهَذَا، وَهَذَا لِكَوْنِهِ بِدْعَةً فِي الشَّرْعِ أَوْ لِكَوْنِهِ (¬1) فِي الْعَقْلِ يَتَنَاوَلُ حَقًّا وَبَاطِلًا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُفُّ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَفْصِلُ الْمُتَكَلِّمَ (¬2) : فَإِنْ ذَكَرَ فِي النَّفْيِ أَوِ الْإِثْبَاتِ (¬3) مَعْنًى صَحِيحًا قَبِلَهُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ (¬4) ، لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ مَكْرُوهَةٍ فِي الشَّرْعِ ; وَإِنْ ذَكَرَ مَعْنًى بَاطِلًا رَدَّهُ.
وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْجِسْمِ " فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَمَعَانِيهِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا، وَفِي الْمَعْنَى مُنَازَعَاتٌ عَقْلِيَّةٌ، فَيُطْلِقُهُ كُلُّ قَوْمٍ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِهِمْ وَحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ، فَإِنَّ الْجِسْمَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ الْبَدَنُ، أَوِ الْبَدَنُ وَنَحْوُهُ مِمَّا هُوَ غَلِيظٌ كَثِيفٌ، هَكَذَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 4] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 247] .
ثُمَّ قَدْ يُعْنَى بِهِ نَفْسُ الشَّيْءِ الْغَلِيظِ الْكَثِيفِ، وَقَدْ يُعْنَى بِهِ نَفْسُ غِلَظِهِ وَكَثَافَتِهِ.
¬_________
(¬1) ن: وَلَكِنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) ن، م: الْكَلَامَ.
(¬3) ن، م: وَالْإِثْبَاتِ.
(¬4) ن (فَقَطْ) : عَنْهُ بِغَيْرِهِ شَرَعَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ.

الصفحة 198