كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
وَالدَّلِيلُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ لَهَا مُبْدِعٌ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ خَارِجٌ عَنْهَا، أَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ الْمُبْدِعِ مُسْتَلْزِمًا لِصِفَاتِهِ، أَوْ لَا يُوجَدُ إِلَّا مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، فَهَذَا لَمْ تَنْفِهِ حُجَّةٌ أَصْلًا (¬1) ، وَلَا هَذَا التَّلَازُمُ - سَوَاءٌ سُمِّيَ فَقْرًا أَوْ لَمْ يُسَمَّ - مِمَّا يَنْفِي كَوْنَ الْمَجْمُوعِ وَاجِبًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ بِحَالٍ.
وَأَيْضًا، فَتَسْمِيَةُ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمَوْصُوفِ جُزْءًا لَهُ لَيْسَ هُوَ مِنَ اللُّغَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَإِنَّمَا (¬2) هُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ، كَمَا سَمَّوُا (¬3) الْمَوْصُوفَ مُرَكَّبًا، (4 بِخِلَافِ تَسْمِيَةِ الْجُزْءِ صِفَةً، فَإِنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالنُّظَّارِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ كُلَّابٍ وَغَيْرِهِمَا 4) (¬4) ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الذَّاتَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِلصِّفَةِ لَا تُوجَدُ إِلَّا وَهِيَ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّفَةِ، وَهَذَا حَقٌّ. وَإِذَا تَنَزَّلَ إِلَى اصْطِلَاحِهِمُ الْمُحْدَثِ وَسَمَّى هَذَا جُزْءًا، فَالْمَجْمُوعُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ بَعْضُهُ.
وَإِذْ قِيلَ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى بَعْضِهِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا دُونَ قَوْلِ الْقَائِلِ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ الْمَجْمُوعُ، وَإِذَا كَانَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى.
وَإِذَا قِيلَ: جُزْؤُهُ (¬5) غَيْرُهُ، وَالْوَاجِبُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ.
قِيلَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنَّ جُزْأَهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، فَلَيْسَ جُزْؤُهُ غَيْرَهُ (¬6) بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِنْ أَرَدْتَ
¬_________
(¬1) ب، أ: فَهَذَا لَمْ يَنْفِ حُجَّةً أَصْلًا.
(¬2) ب، أ: إِنَّمَا.
(¬3) ب: يُسَمُّونَ ; أ: يُسَمُّوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬4) : (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬5) أ، ب: أَجْزَاؤُهُ.
(¬6) ع: غَيْرًا لَهُ.
الصفحة 545