كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

إِذَا أَحْدَثَ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْدَثًا سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا سَمِعَ دُعَاءَ عِبَادِهِ (¬1) سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا رَأَى مَا خَلَقَهُ سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا رَضِيَ عَمَّنْ أَطَاعَهُ وَسَخِطَ عَلَى مَنْ عَصَاهُ سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، إِلَى أَمْثَالِ (¬2) هَذِهِ الْأُمُورِ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ يَنْفُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (¬3) أَصْلًا، فَإِنَّ الْفَلَاسِفَةَ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، (لَكِنْ) مَنْ نَفَى مِنْهُمْ مَا (نَفَاهُ) (¬4) فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِهِ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ. وَلِهَذَا كَانَ الْحَاذِقُ (¬5) مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ صَاحِبِ " الْمُعْتَبَرِ " وَغَيْرِهِمَا قَدْ خَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ يَنْفِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ تُوجِبُ ثُبُوتَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَنْ نَفَى الْجِسْمَ وَأَرَادَ بِهِ نَفْيَ التَّرْكِيبِ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ (¬6) أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ فَقَدْ أَصَابَ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنْ مُنَازِعُوهُ يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي قُلْتَهُ لَيْسَ هُوَ مُسَمَّى الْجِسْمِ فِي اللُّغَةِ، وَلَا هُوَ أَيْضًا حَقِيقَةَ الْجِسْمِ الِاصْطِلَاحِيِّ، (7 فَإِنَّ الْجِسْمَ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا حَقِيقَةُ الْجِسْمِ الِاصْطِلَاحِيِّ 7) (¬7) .
¬_________
(¬1) ع: عَبْدَهُ.
(¬2) ب، أ: مِثْلِ.
(¬3) ع: بِغَيْرِ دَلِيلٍ.
(¬4) أ: مَنْ نَفَى مِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; ب: وَمَنْ نَفَاهُ مِنْهُمْ.
(¬5) ب (فَقَطْ) : الْحُذَّاقُ.
(¬6) ب: الْفَرْدَةِ.
(¬7) (7 - 7) : فِي (ع) فَقَطْ.

الصفحة 547