كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ، فَالْجِسْمُ لَهُ قَدْرٌ وَصِفَاتٌ، وَلَيْسَتْ صِفَاتُهُ لِأَجْلِ الْجَوَاهِرِ، فَكَذَلِكَ قَدْرُهُ. فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الْبُحُوثِ الْعَقْلِيَّةِ الدَّقِيقَةِ لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِ عَامَّةِ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ " الْجِسْمِ " مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ فِي اللُّغَةِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَيَقْصِدُونَ مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مِمَّا يَخْفَى تَصَوُّرُهُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، وَيَقِفُ (¬1) الْعِلْمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى (¬2) عَلَى أَدِلَّةٍ دَقِيقَةٍ عَقْلِيَّةٍ، وَيَتَنَازَعُ فِيهَا الْعُقَلَاءُ، فَإِنَّ النَّاطِقِينَ بِهِ جَمِيعَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ، (وَمَا كَانَ دَقِيقًا لَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَكُونُ مُرَادَ النَّاطِقِينَ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مُتَنَازَعًا فِيهِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ: اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، كَلَفْظِ " الْحَرَكَةِ " وَنَحْوِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَ " الْجِسْمِ " مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ) (¬3) ، مَعَ عَدَمِ تَصَوُّرِ أَكْثَرِهِمْ لِلتَّرْكِيبِ، وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلِ التَّرْكِيبِ، وَإِنْكَارِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ لِلتَّرْكِيبِ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ وَالْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعُهُ فِي اللُّغَةِ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النُّظَّارُ، وَمَعْرِفَتُهُ تَتَوَقَّفُ (¬4) عَلَى النَّظَرِ وَالْأَدِلَّةِ الْخَفِيَّةِ.
¬_________
(¬1) ب (فَقَطْ) : وَيَتَوَقَّفُ.
(¬2) الْمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.
(¬4) ع، أ: تَقِفُ.

الصفحة 551