كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ لَنَا عَدَدًا مُجَرَّدًا فِي الْخَارِجِ، أَوْ مِقْدَارًا (¬1) مُجَرَّدًا فِي الْخَارِجِ، وَكُلُّ هَذَا غَلَطٌ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا هُنَا عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ النَّظَرِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالْكَلَامِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ، ضَلُّوا فِي مَسْأَلَةِ وُجُودِ الْخَالِقِ، الَّتِي هِيَ رَأْسُ كُلِّ مَعْرِفَةٍ، وَالْتَبَسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِهِمْ لِأَجْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ. وَقَدْ كَتَبْنَا فِي مَسْأَلَةِ " الْكُلِّيَّاتِ " كَلَامًا مَبْسُوطًا مُخْتَصًّا بِذَلِكَ (¬2) ، لِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَقُوَّةِ الْمَنْفَعَةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ بِذَلِكَ (¬3) .
وَبِهَذَا يُتَبَيَّنُ (¬4) غَلَطُ النُّفَاةِ فِي لَفْظِ التَّشْبِيهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: الَّذِي يَجِبُ نَفْيُهُ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى: اتِّصَافُهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَتَّصِفُ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْخَالِقِ، أَوْ أَنْ (¬5) يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ يُمَاثِلُ فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا إِذَا قِيلَ حَيٌّ وَحَيٌّ، وَعَالِمٌ وَعَالِمٌ، وَقَادِرٌ وَقَادِرٌ، أَوْ قِيلَ: لِهَذَا قُدْرَةٌ وَلِهَذَا قُدْرَةٌ، وَلِهَذَا عِلْمٌ وَلِهَذَا عِلْمٌ، كَانَ نَفْسَ عِلْمِ الرَّبِّ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ الْعَبْدُ، وَنَفْسَ عِلْمِ الْعَبْدِ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الرَّبُّ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ، [بَلْ وَلَا يُمَاثِلُ هَذَا هَذَا] (¬6) ،
¬_________
(¬1) ب، أ، ن، م: مُقَدَّرًا.
(¬2) ذَكَرَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي رِسَالَةِ " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ " (تَحْقِيقَ د. صَلَاحِ الدِّينِ الْمُنْجِدِ) ، ص 24 أَنَّ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ: " قَاعِدَةٌ فِي الْكُلِّيَّاتِ، مُجَلَّدٌ لَطِيفٌ "، وَذَكَرَهَا أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ "، ص 41.
(¬3) بِذَلِكَ: لَيْسَتْ فِي (ع) .
(¬4) ب، أ: تُبُيِّنَ.
(¬5) ب، أ، ن، م: وَأَنْ.
(¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

الصفحة 595