كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

الْقُرْآنَ صِفَةٌ وَعَرَضٌ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِفِعْلٍ، وَالصِّفَاتُ وَالْأَعْرَاضُ وَالْأَفْعَالُ لَا تَقُومُ إِلَّا بِالْأَجْسَامِ، أَجَابَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُدْرَى مَقْصُودُ صَاحِبِهِ بِهِ، فَلَا نُطْلِقُهُ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا. أَمَّا (¬1) مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬2) وَسَلَفَ الْأُمَّةِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِذَلِكَ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، فَلَا قَالُوا (¬3) : هُوَ جِسْمٌ، وَلَا قَالُوا: [هُوَ] (¬4) لَيْسَ بِجِسْمٍ.
وَلَمَّا سَلَكَ مَنْ سَلَكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَدَخَلُوا فِي هَذَا الْكَلَامِ، ذَمَّ السَّلَفُ (¬5) الْكَلَامَ وَأَهْلَهُ، حَتَّى قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الدِّينِ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ (¬6) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ (¬7) ، وَقَالَ: لَقَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ عَلَى شَيْءٍ مَا ظَنَنْتُ مُسْلِمًا يَقُولُهُ،
¬_________
(¬1) ب، أ: إِلَّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) ب، أ: فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ.
(¬3) ب: فَمَا قَالُوا ; أ: فَلَمَّا قَالُوا ; ن، م: وَلَا قَالُوا.
(¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مَنَّ (ن) ، (م) .
(¬5) السَّلَفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬6) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِنَصِّهَا هَذَا فِي كِتَابِ " ذَمِّ الْكَلَامِ " لِلْهَرَوِيِّ الْأَنْصَارِيِّ وَنَقَلَهَا عَنْهُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ " صَوْنِ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ عَنْ فَنِّ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ "، ص 60، وَسَبَقَ وُرُودُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ قَبْلُ 2/142. وَلَكِنْ جَاءَ فِيهَا: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ، وَانْظُرْ (ت 2) .
(¬7) سَبَقَ وُرُودُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ 2/142 وَذُكِرَتْ فِي (ت 3) مَكَانِهَا فِي الْمَرْجِعِ السَّابِقِ. وَوَرَدَتْ فِيهِ أَيْضًا، ص 35. وَهِيَ وَارِدَةٌ كَذَلِكَ فِي " تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 82 - 83.

الصفحة 610