كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)
وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَرَّرُوا ذَلِكَ (¬1) بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ، كَقَوْلِهِمْ: كُلُّ مَوْجُودَيْنِ إِمَّا مُتَبَايِنَانِ وَإِمَّا مُتَدَاخِلَانِ (¬2) ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، وَقَالُوا: إِثْبَاتُ مَوْجُودٍ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ وَالْعَقْلِ.
وَأَيْضًا، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ (¬3) بِالْعُلُوِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ [جِدًّا] (¬4) ، حَتَّى قَدْ قِيلَ (¬5) إِنَّهَا نَحْوُ (¬6) ثَلَاثِمِائَةِ مَوْضِعٍ، وَالسُّنَنُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكَلَامُ السَّلَفِ الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ بِالتَّوَاتُرِ يَقْتَضِي اتِّفَاقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ (¬7) مَنْ يُنْكِرُهُ.
وَمَنْ يُرِيدُ التَّشْنِيعَ عَلَى النَّاسِ، وَدَفْعَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ حُجَّةً. وَلْنَفْرِضْ أَنَّهُ لَا يُنَاظِرُهُ إِلَّا أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ (¬8) ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا إِلَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ فِي جِهَةٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَمُحْتَاجٌ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ ".
فَيُقَالُ لَهُ: لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ وَلَمْ تَذْكُرْ مَا بِهِ يُعْلَمُ ذَلِكَ (¬9) ، فَإِنَّ قَوْلَكَ: مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا كَانَتِ الْجِهَةُ أَمْرًا وُجُودِيًّا وَكَانَتْ لَازِمَةً لَهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا، فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْبَارِي لَا يَقُومُ
¬_________
(¬1) ب، أ: قَرَّرُوا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬2) ع، أ: إِمَّا مُتَبَايِنَيْنِ وَإِمَّا مُتَدَاخِلَيْنِ ; ن، م: إِمَّا مُتَبَايِنَيْنِ أَوْ مُتَدَاخِلَيْنِ.
(¬3) ب، أ، ن، م: يَنْطِقُ.
(¬4) جِدًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬5) ع، م: حَتَّى قِيلَ.
(¬6) نَحْوُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬7) ب، أ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ. وَسَقَطَتْ " يَكُنْ " مِنْ (ع) .
(¬8) أَصْحَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬9) ب: مَا بِهِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ ; أ: مَا بِهِ يَعْلَمُوا ذَلِكَ.
الصفحة 645