كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 2)

وَعُمَرَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا جَرَى لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُسَمَّى مِنَ الشِّيعَةِ، وَلَا تُضَافُ الشِّيعَةُ إِلَى أَحَدٍ، لَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِمَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ تَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ، فَمَالَ قَوْمٌ إِلَى عُثْمَانَ، وَمَالَ قَوْمٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَاقْتَتَلَتِ الطَّائِفَتَانِ، وَقَتَلَ حِينَئِذٍ شِيعَةُ عُثْمَانَ شِيعَةَ عَلِيٍّ.
وَفِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا [لَهُ] بِهَا، فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَقِيَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: " أَلَيْسَ لَكُمْ بِي أُسْوَةٌ؟ " فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهَ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا. فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أَدُلَّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا، ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا، فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ، فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا ; لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا. قَالَ: فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬1) .
¬_________
(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي: (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ جَامِعِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمَنْ نَامَ عَنْهُ أَوْ مَرِضَ) 2/512 - 514، وَقَدْ قَابَلْتُ مَا فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَوَجَدْتُ خِلَافَيْنِ: عَقَارًا (لَهُ) بِهَا، إِذْ كَانَتْ " لَهُ " سَاقِطَةً مِنَ الْأَصْلِ، وَرَهْطًا سِتَّةً إِذْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ " سِتًّا ".
وَقَصَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِإِيرَادِ الْحَدِيثِ قَوْلَ حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ: " لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشَّيْعَتَيْنِ شَيْئًا " إِذْ أَنَّ هَذَا يُبَيِّنُ تَارِيخَ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ " الشِّيعَتَيْنِ " وَالْمَقْصُودُ بِهِمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ وَشِيعَةُ أَصْحَابِ الْجَمَلِ. وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/444: حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ حِجَازِيٌّ، رَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ. . . ذَكَرَهُ ابْنُ حَبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

الصفحة 95