كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

الثَّانِي: [أَنْ يُقَالَ] (¬1) : إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: " يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ " يَعْنِي بِهِ أَنَّ عِقَابَهُ لِلْعُصَاةِ عَدْلٌ مِنْهُ، أَوْ يَعْنِي بِهِ (¬2) أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ لِلْعُصَاةِ عَدْلٌ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ عَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ إِحْسَانًا مِنْهُ وَفَضْلًا.
وَهَذَا يَقُولُ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لَهُ (¬3) ، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَهُ كَسْبٌ لَهُمْ مُتَّفِقُونَ (¬4) ، عَلَى أَنَّ الْعِقَابَ عَدْلٌ مِنْهُ، [وَإِنْ عُنِيَ بِهِ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ] (¬5) .

الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْعَفْوُ إِمَّا أَنْ يُوصَفَ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْعِقَابُ قَبِيحًا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُوصَفَ بِهَا إِلَّا إِذَا كَانَ الْعِقَابُ سَائِغًا غَيْرَ قَبِيحٍ (¬6) . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ غَفَّارًا لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، لِأَنَّ عِقَابَ هَؤُلَاءِ قَبِيحٌ، وَالْمَغْفِرَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ رَحِيمًا بِمَنْ (¬7) . يَسْتَحِقُّ الرَّحْمَةَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ غَفُورًا رَحِيمًا لِمَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ. وَلَمَّا كَانَ قَدْ ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ (¬8) أَنَّهُ غَفَّارٌ لِلتَّائِبِينَ (¬9) رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ،
¬_________
(¬1) أَنْ يُقَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .
(¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(¬3) أ: وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ ; ب: فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لِلَّهِ مَخْلُوقَةٌ.
(¬4) ن، م: فَهُمْ مُتَّفِقُونَ.
(¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.
(¬6) ن: سَائِغًا عِنْدَهُ قَبِيحٌ ; م: شَائِعًا عِنْدَهُ (وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ: قَبِيحٍ) .
(¬7) أ، ب: لِمَنْ
(¬8) ب: وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ أَثْبَتَ، أ: وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ ثَبَتَ.
(¬9) ن، م: لِلتَّوَّابِينَ.

الصفحة 101