كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

وَالسَّمْعُ قَدْ مُنِعَ مِنْهُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 286] ".
وَالْجَوَابُ عَنْهُ (¬1) مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ لَهُمْ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، وَعَلَى هَذَا فَالْكَافِرُ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِيمَانِ أَبَدًا، وَمَا ذَكَرَهُ (¬2) وَارِدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعَانِ: فَالْقُدْرَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي التَّكْلِيفِ تَكُونُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَبِدُونِ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَبْقَى (¬3) إِلَى حِينِ الْفِعْلِ. وَالْقُدْرَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْفِعْلِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً عِنْدَ وُجُودِهِ.
وَأَصْلُ قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةٍ يَهْتَدُونَ بِهَا (¬4) لَمْ يُعْطِهَا الْكَافِرَ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا حِينَ الْفِعْلِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَادِرًا إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، وَأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ سَوَاءٌ، وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ قُدْرَتِهِ (¬5) . حَالَ الْفِعْلِ فَإِذَا كَانَ قَادِرًا قَبْلَ الْفِعْلِ وَبَقِيَتِ الْقُدْرَةُ إِلَى حِينِ الْفِعْلِ لَمْ يَنْقُضْ (¬6) هَذَا أَصْلَهُمْ، لَكِنَّ مُجَرَّدَ الْقُدْرَةِ الصَّالِحَةِ لِلضِّدَّيْنِ (¬7) يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، فَلَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِمَّا (¬8) يَخُصُّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَكُونُ
¬_________
(¬1) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (م) : الْجَوَابُ عَنْهُ.
(¬2) ع: وَمَا ذَكَرُوهُ.
(¬3) ع: وَتَبْقَى.
(¬4) ن، م: يُهْتَدَى بِهَا.
(¬5) أ، ب، م: قُدْرَةٍ
(¬6) أ، م، ن: لَمْ يُنْقِصْ ; ع: لَمْ يَنْتَقِصْ
(¬7) م فَقَطْ: لِلْعَبْدَيْنِ.
(¬8) أ، ب: مَا.

الصفحة 103