كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ إِمَامٍ مَعْرُوفٍ وَلَا طَائِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬1) ، بَلْ وَلَا مِنْ طَوَائِفِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، إِلَّا مَا يُحْكَى (¬2) عَنِ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَغُلَاةِ الْمُثْبِتَةِ أَنَّهُمْ سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ، وَقَالُوا: إِنَّ حَرَكَتَهُ كَحَرَكَةِ الْأَشْجَارِ بِالرِّيَاحِ، إِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ (¬3) .
وَأَشَدُّ الطَّوَائِفِ قُرْبًا مِنْ هَؤُلَاءِ هُوَ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ (¬4) أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً مُحْدَثَةً وَاخْتِيَارًا، وَيَقُولُ إِنَّ الْفِعْلَ كَسْبٌ لِلْعَبْدِ، لَكِنَّهُ يَقُولُ: لَا تَأْثِيرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِي إِيجَادِ الْمَقْدُورِ.
فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَسْبَ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْأَشْعَرِيُّ غَيْرُ مَعْقُولٍ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً (¬5) ، وَلَهُ قُدْرَةٌ وَاخْتِيَارٌ، وَقُدْرَتُهُ مُؤَثِّرَةٌ فِي مَقْدُورِهَا، كَمَا تُؤَثِّرُ الْقُوَى وَالطَّبَائِعُ (¬6) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ.
¬_________
(¬1) أ، ب: مِنَ الطَّوَائِفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(¬2) ن: مَا حُكِيَ.
(¬3) عَنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬4) الْفُقَهَاءِ مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) .
(¬5) م فَقَطْ: جَمِيعَهُ.
(¬6) ب (فَقَطْ) : الْقُوَى الطَّبَائِعُ.

الصفحة 109