كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)
{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 22] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] .
وَالْقَدَرِيَّةُ جَعَلُوا نِعْمَتَهُ الدِّينِيَّةَ (¬1) عَلَى الصِّنْفَيْنِ سَوَاءً، وَقَالُوا: إِنَّ الْعَبْدَ أُعْطِيَ (¬2) قُدْرَةً تَصْلُحُ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ طَرَفَيْ مَقْدُورِهِ (¬3) عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجَّحٍ وَادَّعَوْا هَذَا فِي قُدْرَةِ الرَّبِّ وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ.
وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى هَذَا فِي قُدْرَةِ الرَّبِّ (¬4) كَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الرَّبَّ لَا يَقُومُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، [بَلْ وَوَافَقَهُمْ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ] (¬5) ، وَصَارَ الرَّازِيُّ (¬6) وَأَمْثَالُهُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ (¬7) بِتِلْكَ الْحُجَّةِ يَتَنَاقَضُونَ، فَإِذَا نَاظَرُوهُمْ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ احْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَتَرَجَّحُ وُجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ، سَوَاءٌ صَدَرَ عَنْ قَادِرٍ مُخْتَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، (¬8) تَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ، وَقِيلَ لَهُمْ: الْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ حَادِثٍ: (¬9) أَجَابُوا بِجَوَابِ (¬10) الْقَدَرِيَّةِ، فَقَالُوا:
¬_________
(¬1) الدِّينِيَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬2) أ، ب: يُعْطَى.
(¬3) أ، ب: أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ.
(¬4) ع: الْعَبْدِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬6) أ، ب: وَصَارَ الرَّافِضِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬7) أ (فَقَطْ) : عَلَى الْقُدْرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬8) وَإِذَا ن: أَوْ غَيْرِهِ إِذَا ; م: أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا.
(¬9) سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(¬10) أ، ب: جَوَابَ.
الصفحة 119