كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

[سُورَةُ يس: 12] ، وَإِنْ كَانَ التَّأْثِيرُ هُنَاكَ أَعَمَّ مِنْهُ فِي الْآيَةِ، لَكِنْ يَقُولُونَ: هَذَا التَّأْثِيرُ هُوَ تَأْثِيرُ الْأَسْبَابِ فِي مُسَبِّبَاتِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى *) (¬1) خَالِقُ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، وَمَعَ أَنَّهُ خَالِقُ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ آخَرَ يُشَارِكُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعَارِضٍ يُمَانِعُهُ، فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ إِلَّا بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ (¬2) السَّبَبَ الْآخَرَ وَيُزِيلُ الْمَوَانِعَ (¬3) .
وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي حَكَاهُ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ كَالْأَشْعَرِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، حَيْثُ لَا يُثْبِتُونَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ قُوَى وَلَا طَبَائِعَ (¬4) ، وَيَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ فَعَلَ عِنْدَهَا لَا بِهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْفِعْلِ.
وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ: إِنَّ اللَّهَ فَاعِلُ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَإِنَّ عَمَلَ (¬5) الْعَبْدِ لَيْسَ فِعْلًا لِلْعَبْدِ بَلْ كَسْبًا لَهُ (¬6) ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ فَقَطْ (¬7) وَجُمْهُورُ
¬_________
(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(¬2) ب: فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ لَا بِهِ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى ; أ: فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ إِلَّا بِهِ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى ; ن: فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ ; م: فَلَا يَتِمُّ الْأَثَرُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ.
(¬3) م فَقَطْ: الْمَانِعَ.
(¬4) ب، أ: قُوَى الطَّبَائِعِ.
(¬5) ن، م: فِعْلَ.
(¬6) ب: بَلْ كَسْبٌ لَهُ، م: بَلْ وَلَا كَسْبًا لَهُ.
(¬7) ن: فِعْلٌ لِلَّهِ فَقَطْ، وَقَدْ لَخَّصَ مُسْتَجَى زَادَهْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ: وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي حَكَاهُ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ، إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ عَلَّقَ بِقَوْلِهِ: قُلْتُ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ عَلَى الْإِيجَادِ وَالتَّأْثِيرِ لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَبِذَلِكَ يَنْسُبُهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، حَتَّى قَالُوا: إِنَّ الْمَجُوسَ إِنَّمَا يُثْبِتُونَ شَرِيكًا وَاحِدًا فَقَطْ وَهُوَ أَهْرَمَانُ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ تَعَالَى شُرَكَاءَ لَا تُحْصَى مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْحَيَوَانَاتِ لِقَوْلِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ إِيجَادَ أَفْعَالِهِمُ الِاخْتِيَارِيَّةِ.

الصفحة 13