كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 83] (¬1) ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 5] فَإِرْسَالُهُ الشَّيَاطِينَ وَبَعْثُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْتَدِينَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَهُوَ (¬2) أَمْرٌ شَرْعِيٌّ أَمَرَهُمْ بِهِ، كَمَا أَرْسَلَ (¬3) رُسُلَهُ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وَكَمَا بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ (¬4) ؟ أَمْ هُوَ تَقْدِيرٌ وَتَسْلِيطٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّطُ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا (¬5) عَاصِيًا لِدِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ (¬6) .
ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الْأَرْضِ مُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ، وَهُمْ مَعَ هَذَا (¬7) يَمْدَحُونَ الْمُحْسِنَ وَيَذُمُّونَ الْمُسِيءَ فُطِرُوا عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا، فَيُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ، وَأَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَسَلَّطَ هَذَا وَيَسَّرَ هَذَا، وَيَمْدَحُونَ هَذَا وَيَذُمُّونَ هَذَا، وَأَهْلُ الْإِثْبَاتِ الْمُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ يَمْدَحُونَ الْمُحْسِنَ وَيَذُمُّونَ الْمُسِيءَ، (¬8) ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْفِعْلَيْنِ.
فَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ (¬9) أَنْ لَا يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا - لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ (¬10)
¬_________
(¬1) هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .
(¬2) ن، م: هُوَ.
(¬3) أ، ب: أَمَرَ.
(¬4) وَيُزَكِّيهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) : وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ.
(¬5) ن، م: مُتَعَدِّيًا.
(¬6) ع: أَوْ شَرْعِهِ.
(¬7) أ، ب: وَمَعَ هَذَا.
(¬8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) تَعَالَى زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(¬9) ع: فَقَوْلُهُمْ إِنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ، م: وَقَوْلُهُ يَلْزَمُهُمْ.
(¬10) ع: لُزُومًا لَا يَلْزَمُ.
الصفحة 136