كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

الْقَدَرِيَّةِ (¬1) مَعْرُوفٌ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ (¬2) وَقَدْ بَسَطَ (¬3) الْحِجَجَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَبْسُطْهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَتْبَاعُهُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ (¬4) مَذْهَبُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ، وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا (¬5) مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُمْكِنُهُ (¬6) أَنْ يَحْكِيَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْهُ، بَلْ هُمْ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ يُفْتَى بِقَوْلِهِمْ مَذْمُومُونَ مُعَيَّبُونَ مِنْ (¬7) أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ (¬8) ، فَكَيْفَ يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْتَصْوَبَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ؟
وَأَيْضًا فَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَالنَّقْلُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ (¬9) ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ. وَقُدَمَاءُ الشِّيعَةِ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا شَاعَ فِيهِمْ رَدُّ (¬10) الْقَدَرِ مِنْ حِينِ اتَّصَلُوا بِالْمُعْتَزِلَةِ فِي دَوْلَةِ بَنِي بُوَيْهٍ (¬11) .
¬_________
(¬1) ع: وَبِكَلَامِهِ فِي الْقَدَرِيَّةِ.
(¬2) كَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَلِي: كِتَابُ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْلِيفٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ أَلَّفَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرُهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْعُظَمَاءُ الْأَقْدَمُونَ مِثْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ، وَهَذَا ابْنُ تَيْمِيَةَ صَاحِبُ الْإِحَاطَةِ التَّامَّةِ، وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِمَا صَرَّحَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَقْدَمُونَ مَعَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ تَيْمِيَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ وَأَبْطَلَ قَوْلَ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَقْدَمِينَ هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ إِمَامُ الْحَنَفِيَّةِ.
(¬3) أ، ب، م: وَبَسَطَ.
(¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) .
(¬5) ب (فَقَطْ) : بِهَذَا.
(¬6) ب فَقَطْ: فَلَا يُمْكِنُ.
(¬7) ب مَعْدُودُونَ مِنْ، أ: مَعْيُوبُونَ مِنْ، م: مُتْعَبُونَ مِنْ.
(¬8) أ، ب: وَالضَّلَالِ.
(¬9) أ، ب: عَنْهُمْ بِذَلِكَ، ن: فَذَلِكَ عَنْهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬10) ع: إِنْكَارُ.
(¬11) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا الْمَحَلُّ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَلَمْ أَرَ مِنْ بَاحِثٍ مَعَ الْإِمَامِيَّةِ مِثْلَ ابْنِ تَيْمِيَةَ، شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ، حَيْثُ أَحَاطَ بِمَقَالَاتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَمِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ وَقُدَمَائِهِمْ، وَمُتَأَخِّرِيهِمْ إِحَاطَةً تَامَّةً، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَصَدَّرَ لِرَدِّ الْإِمَامِيَّةِ رَدًّا عَنِيفًا، إِلَّا أَنَّهُ أَيْنَ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ الْحَبْرِ الْمُحِيطِ بِمَذَاهِبِهِمْ وَفِرَقِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ رَاجِلًا فِي مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ لَكَانَ هُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْإِحَاطَةِ وَالْإِتْقَانِ إِلَّا أَنَّ الْكَمَالَ لِلَّهِ تَعَالَى لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَيْنَ مِثْلُهُ فِي التَّتَبُّعِ وَالْإِحَاطَةِ.

الصفحة 139