كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: [إِنَّ] (¬1) الْإِرَادَةَ، نَوْعَانِ: إِرَادَةُ الْخَلْقِ وَإِرَادَةُ الْأَمْرِ (¬2) فَإِرَادَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُرِيدَ مِنَ الْمَأْمُورِ (¬3) فِعْلَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَإِرَادَةُ الْخَلْقِ أَنْ يُرِيدَ هُوَ خَلْقَ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا. وَالْأَمْرُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْكَافِرَ بِمَا أَرَادَهُ مِنْهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ مَا (¬4) يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَنَهَاهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَمْ يُرِدْهَا مِنْهُ، [أَيْ لَمْ يُحِبَّهَا وَلَمْ يَرْضَهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ] (¬5) ، فَإِنَّهُ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 108] وَإِرَادَةُ (¬6) الْخَلْقِ هِيَ الْمَشِيئَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِوُقُوعِ الْمُرَادِ، فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْمَوْجُودِ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يُرِيدُهُ، فَإِذَا (¬7) اجْتَمَعَتِ الْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَجَبَ وُجُودُ الْمُرَادِ، وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِعْلًا (¬8) لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ هَذَا (¬9) لَا يَلْزَمُ أَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ.
¬_________
(¬1) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(¬2) ن، م: الْأَمْرُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(¬3) ن، م: مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ.
(¬4) ن، م: مِمَّا.
(¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬6) ن، م، ع: فَإِرَادَةُ.
(¬7) أ، ب: مَا يُرِيدُ وَإِذَا.
(¬8) ع: فَلَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬9) أ، ب: فَهَذَا.

الصفحة 180