كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

لَكِنَّ الْمَثَلَ الْمُطَابِقَ لِفِعْلِ الرَّبِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ مِثْلِ (¬1) هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَأَنْشَدَ:
وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاكَ الْفِعْلُ عِنْدِي ... فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَا
لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِي الْمَخْلُوقِ أَمْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا لَا يُرِيدُ أَنْ (¬2) يُعِينَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورَ، وَنَهْيُهُ عَمَّا يُرِيدُ النَّاهِي أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ لِمَصْلَحَتِهِ] (¬3) .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقَدَرِيَّ وَأَمْثَالَهُ تَكَلَّمُوا بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ. فَإِذَا قَالُوا: مَنْ أَمَرَ بِمَا لَا يُرِيدُ كَانَ سَفِيهًا، أَوْهَمُوا النَّاسَ أَنَّهُ أَمَرَ بِمَا لَا يُرِيدُ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَفْعَلَهُ. وَاللَّهُ لَمْ يَأْمُرِ الْعِبَادَ بِمَا لَمْ يَرْضَ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ، [وَلَمْ يُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ] (¬4) ، وَلَمْ يُرِدْ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا أَمَرَ بَعْضَهُمْ بِمَا لَمْ يُرِدْ هُوَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ وَ [لَمْ] يَجْعَلْهُمْ فَاعِلِينَ لَهُ (¬5) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْآمِرَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَأْمُورَ فَاعِلًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ، بَلْ هَذَا (¬6) مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ.
وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَهُ أَلَّا يَفْعَلَهُ. فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُثْبِتُ الْمَشِيئَةَ دُونَ الْحِكْمَةِ الْغَائِيَّةِ، يَقُولُ: هَذَا كَسَائِرِ (¬7) الْمُمْكِنَاتِ
¬_________
(¬1) ع: نَحْوِ.
(¬2) أ، ب: وَأَنْ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ.
(¬5) ن، ع: وَيَجْعَلُهُمْ فَاعِلِينَ لَهُ.
(¬6) أ، ب: هُوَ.
(¬7) ن: فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ كَسَائِرِ.

الصفحة 190