كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

قَدِ اشْتَرَكُوا فِي أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَنَازَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيلِ أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ (¬1) ، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ يَسْتَلْزِمُ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَهُ وَتَنَاقُضَهُ.
فَمُثْبِتَةُ التَّعْلِيلِ تَقُولُ: مَنْ فَعَلَ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ كَانَ سَفِيهًا. وَهَذَا إِنَّمَا يُعْلَمُ فِيمَنْ (¬2) فَعَلَ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْبَارِئَ فَعَلَ لَا لِحِكْمَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَنْ (¬3) فَعَلَ لَا لِحِكْمَةٍ سَفِيهًا (¬4) لَزِمَهُ (¬5) إِثْبَاتُ السَّفَهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا تَنَاقَضُوا، فَإِنَّ مَا أَثْبَتُوهُ مِنْ فِعْلِهِ لِحِكْمَةٍ لَا تَعُودُ إِلَيْهِ لَا يُعْقَلُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَكِيمًا.
وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ فِي صِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ (¬6) وَقُدْرَتِهِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ قَدِيمًا، لِمَا فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِقَدَمِهِ. وَقَالُوا: الْمُتَكَلِّمُ لَا يَعْقِلُ (¬7) إِلَّا مَنْ تَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، دُونَ مَنْ يَكُونُ الْكَلَامُ لَازِمًا لِذَاتِهِ لَا يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬8) .
فَيُقَالُ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ لَا يُعْقَلُ مُتَكَلِّمٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ. أَمَّا مُتَكَلِّمٌ لَا يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ، أَوْ مُرِيدٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْإِرَادَةُ، أَوْ عَالِمٌ لَا يَقُومُ بِهِ الْعِلْمُ فَهَذَا لَا يُعْقَلُ، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ.
¬_________
(¬1) أ: وَأَحْرَامِهِ، ب: وَآخِرِ أَمْرِهِ.
(¬2) أ، ب: مِمَّنْ.
(¬3) ب فَقَطْ: مِنْهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(¬4) سَفِيهًا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬5) أ، ب: لَزِمَ.
(¬6) أفَقَطْ: قَالُوا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ.
(¬7) ب: لَا يَعْقِلُ الْمُتَكَلِّمُ ; وَسَقَطَتْ " لَا يَعْقِلُ " مِنْ (أ) .
(¬8) ع: بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

الصفحة 194