كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)
فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ، قَالُوا: يَمْتَنِعُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا لِأَجْلِ شَيْءٍ أَصْلًا، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ بَعْضٍ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يُحِبَّ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ يُرِيدَ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، بَلْ كُلُّ مَا حَدَثَ فَهُوَ مُرَادٌ لَهُ مَحْبُوبٌ مَرْضِيٌّ، سَوَاءٌ كَانَ كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا، أَوْ حَسَنَاتٍ أَوْ سَيِّئَاتٍ، أَوْ نَبِيًّا أَوْ شَيْطَانًا. وَكُلُّ مَا لَمْ يَحْدُثْ فَهُوَ لَيْسَ (¬1) مَحْبُوبًا لَهُ وَلَا مَرْضِيًّا لَهُ وَلَا مُرَادًا، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَشَأْهُ، فَعِنْدَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَأَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ وَأَرَادَهُ، وَمَا لَمْ يَشَأْهُ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَلَا يُرِيدُهُ.
وَأُولَئِكَ الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: كُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ يَشَاؤُهُ وَيُرِيدُهُ، كَمَا أَنَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ لَا يَشَاؤُهُ (¬2) وَلَا يُرِيدُهُ كَمَا لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ، بَلْ يَكُونُ فِي مِلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ، وَيَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ.
ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ الْمُجْبِرَةَ (¬3) إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 205] ، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] ، قَالُوا: مَعْنَاهُ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُرِيدُهُ وَلَا يَشَاؤُهُ مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَشَاؤُهُ وَلَا يُرِيدُهُ دِينًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَ صَاحِبَهُ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ كَمَا يَشَاؤُهُ لَكِنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يُثِيبَ صَاحِبَهُ، كَمَا لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَهُ، وَعِنْدَهُمْ يَشَاءُ تَنْعِيمَ أَقْوَامٍ وَتَعْذِيبَ آخَرَيْنِ لَا بِسَبَبٍ وَلَا لِحِكْمَةٍ (¬4) ، وَلَيْسَ فِي بَعْضِ
¬_________
(¬1) ع: فَلَيْسَ.
(¬2) ع: فَإِنَّهُ يَشَاؤُهُ.
(¬3) ع: الْجَبْرِيَّةَ.
(¬4) أ: كَمَا لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَهُ عِنْدَهُمْ نَفْعًا يُنَعِّمُ أَقْوَامًا وَيُعَذِّبُ آخَرِينَ لَا بِسَبَبٍ وَلَا بِحِكْمَةٍ، ب: لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَهُ عِنْدَهُمْ، بَلْ يُنَعِّمُ أَقْوَامًا وَيُعَذِّبُ آخَرِينَ لَا بِسَبَبٍ وَلَا بِحِكْمَةٍ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ع) .
الصفحة 196