كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

وَالْمُحْتَجُّونَ عَلَى الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ أَعْظَمُ بِدْعَةً وَأَنْكَرُ قَوْلًا وَأَقْبَحُ طَرِيقًا مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِلْقَدَرِ، فَالْمُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمُ الْمُعَظِّمُونَ لِلْأَمْرِ (¬1) وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْقَدَرَ حُجَّةً لِمَنْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ وَفَعَلَ الْمَحْظُورَ، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ (¬2) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُدَّعِينَ لِلْحَقِيقَةِ (¬3) الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْقَدَرَ (¬4) ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ وَلَا فِعْلِ مَحْظُورٍ (¬5) بِكَوْنِ ذَلِكَ مُقَدَّرًا (¬6) عَلَيْهِ، بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ.
وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي شَرٌّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ، وَهُمْ أَعْدَاءُ الْمِلَلِ. وَأَكْثَرُ مَا أَوْقَعَ النَّاسَ فِي التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ احْتِجَاجُ هَؤُلَاءِ بِهِ. وَلِهَذَا اتُّهِمَ بِمَذْهَبِ الْقَدَرِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُونُوا قَدَرِيَّةً، بَلْ كَانُوا (¬7) لَا يَقْبَلُونَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ (¬8) ، كَمَا قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَدَرِيًّا، فَقَالَ: النَّاسُ (¬9) كُلُّ مَنْ شَدَّدَ عَلَيْهِمُ الْمَعَاصِي، قَالُوا هَذَا قَدَرِيٌّ (¬10) وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ بِهَذَا السَّبَبِ (¬11) نُسِبَ إِلَى
¬_________
(¬1) ن، م: الْمُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ، ع: الْمُعْصِمُونَ لِلْأَمْرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬3) لِلْحَقِيقَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬4) ب، أ: لِلْقَدَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬5) ب، أ: فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَلَا فِعْلِ الْمَحْظُورِ.
(¬6) ب، أ، م: مَقْدُورًا.
(¬7) ن، م، ع: وَلَكِنْ كَانُوا.
(¬8) ع: عَلَى الْمَعَاصِي لِلْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ.
(¬9) النَّاسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ.
(¬10) ن، م: هُوَ قَدَرِيٌّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 158، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَوْ بَرِئَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنَ الْقَدَرِ، مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْهُ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي فَضْلِ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ، ص [0 - 9] 8، 335، تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 9/303 - 307 الْأَعْلَامَ 7/61.
(¬11) ب، أ: وَقَدْ قِيلَ لِهَذَا السَّبَبِ.

الصفحة 24