كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

الْحَسَنِ (¬1) الْقَدَرُ، لِكَوْنِهِ كَانَ شَدِيدَ الْإِنْكَارِ لِلْمَعَاصِي نَاهِيًا عَنْهَا، وَلِذَلِكَ نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ، وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ قُدِّرَ عَلَيْهِمْ مَا فَعَلُوهُ (¬2) . فَيُقَالُ لِهَذَا (¬3) : وَإِنْكَارُ هَذَا الْمُنْكِرِ أَيْضًا بِقَدَرِ اللَّهِ، فَنَقَضْتَ قَوْلَكَ بِقَوْلِكَ.
وَهَؤُلَاءِ يَقُولُ بَعْضُ مَشَايِخِهِمْ: أَنَا كَافِرٌ بِرَبٍّ يُعْصَى، وَيَقُولُ: لَوْ قَتَلْتُ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَمْ أَكُنْ مُخْطِئًا (¬4) وَيَقُولُ بَعْضُ شُعَرَائِهِمْ: أَصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِمَا يَخْتَارُهُ مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَاتُ (¬5) .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ احْتِجَاجَ آدَمَ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا (¬6) جَهْلٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ أَمْرًا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَنَهْيًا عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَذَمًّا لِمَنْ ذَمَّهُ اللَّهُ، وَإِنَّمَا بُعِثُوا بِالْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ (¬7) ، وَالنَّهْيِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يُسَوِّغُ أَحَدٌ مِنْهُمْ (¬8) أَنْ يَعْصِيَ عَاصٍ لِلَّهِ مُحْتَجًّا بِالْقَدَرِ؟ وَلِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ، وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِإِبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَلَكِنْ كَانَ مَلَامُ مُوسَى لِآدَمَ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] (¬9) لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ (¬10)
¬_________
(¬1) وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
(¬2) مَا فَعَلُوهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) .
(¬3) أ: فَيُقَالُ هَذَا الْمُنْكَرَ، ب: فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُنْكَرِ.
(¬4) ن، م، ع: مَا كُنْتُ مُخْطِئًا.
(¬5) ع فَقَطْ: طَاعَاتِي.
(¬6) ب: وَهُوَ. وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) .
(¬7) ن، م، ع: بِطَاعَةِ اللَّهِ.
(¬8) ب، أ: وَاحِدٌ مِنْهُمْ.
(¬9) عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ.
(¬10) ب، أ: لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ، م: بِسَبَبِ الْمُصِيبَةِ.

الصفحة 25