كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

فَعُلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مُرَجِّحٌ تَامٌّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ، وَذَلِكَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ هُوَ الدَّاعِي التَّامُّ (وَالْقُدْرَةُ) (¬1) وَهَذَا مِمَّا سَلَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ؛ سَلَّمُوا أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الدَّاعِي التَّامُّ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَأَنَّ الدَّاعِيَ وَالْقُدْرَةَ خَلْقٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬2) الَّذِينَ يَقُولُونَ: (إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ:) (¬3) إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ بِالْأَسْبَابِ، وَأَنَّهُ خَلَقَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً (¬4) يُكَوِّنُ بِهَا فِعْلُهُ، وَأَنَّ (¬5) الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً، فَقَوْلُهُمْ فِي خُلُقِ فِعْلِ الْعَبْدِ بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬6) كَقَوْلِهِمْ فِي خَلْقِ سَائِرِ الْحَوَادِثِ بِأَسْبَابِهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْأَسْبَابَ وَالْقُوَى الَّتِي فِي الْأَجْسَامِ وَيُنْكِرُ تَأْثِيرَ الْقُدْرَةِ (الَّتِي لِلْعَبْدِ) (¬7) الَّتِي بِهَا يُكَوِّنُ الْفِعْلَ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ أَصْلًا فِي فِعْلِهِ (¬8) ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ (¬9) ، وَالْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ.
وَلَيْسَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ قَوْلَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَلَا جُمْهُورِهِمْ، بَلْ أَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُثْبِتُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ
¬_________
(¬1) وَالْقُدْرَةُ: فِي (ع) فَقَطْ.
(¬2) ع: أَئِمَّةُ السُّنَّةِ.
(¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.
(¬4) ب، أ: وَاللَّهُ خَلَقَ الْعَبْدَ وَقَدَّرَهُ. . . إِلَخْ.
(¬5) ب، أ: فَإِنَّ.
(¬6) ب، أ: بِإِرَادَةٍ وَقُدْرَةٍ.
(¬7) الَّتِي لِلْعَبْدِ: فِي (ع) فَقَطْ.
(¬8) ع فَقَطْ: أَصْلًا فِي فِعْلِهِ أَصْلًا.
(¬9) ب، أ: كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَا يَقُولُهُ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ.

الصفحة 31