كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ هُوَ الَّذِي عَاقَبَهُ عَلَى ظُلْمِهِ، لَوْ (¬1) عَاقَبَهُ وَلِيُّ أَمْرٍ عَلَى عُدْوَانِهِ عَلَى النَّاسِ فَقَطَعَ (¬2) يَدَ السَّارِقِ، أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلًا (¬3) مِنْ هَذَا الْوَالِي؟ وَكَوْنُ الْوَالِي مَأْمُورًا بِذَلِكَ يُبَيِّنُ (¬4) أَنَّهُ عَادِلٌ.
لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إِذَا أَمَرَ الْغَاصِبَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ، وَضَمِنَ التَّالِفَ بِمِثْلِهِ، أَنَّهُ يَكُونُ حَاكِمًا بِالْعَدْلِ، وَمَا زَالَ الْعَدْلُ مَعْرُوفًا فِي الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ. وَلَوْ قَالَ هَذَا الْمُعَاقَبُ: أَنَا قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ هَذَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا (¬5) حُجَّةً لَهُ، وَلَا مَانِعًا لِحُكْمِ الْوَالِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.
فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ الْعَادِلِينَ إِذَا اقْتَصَّ (¬6) لِلْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ فِي الْآخِرَةِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ، فَإِنْ (¬7) قَالَ الظَّالِمُ: هَذَا كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيَّ، لَمْ يَكُنْ هَذَا عُذْرًا صَحِيحًا وَلَا مُسْقِطًا لِحَقِّ الْمَظْلُومِ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَذَاكَ (¬8) لِحِكْمَةٍ أُخْرَى لَهُ فِي الْفِعْلِ، فَخَلْقُهُ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِمَا [لَهُ] (¬9) فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَالْفِعْلُ الْقَبِيحُ الْمَخْلُوقُ قَبِيحٌ مِنْ فَاعِلِهِ (¬10) ، لِمَا عَلَيْهِ
¬_________
(¬1) ب، أ: وَلَوْ.
(¬2) ن، م: فَيَقْطَعُ.
(¬3) ع: أَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَدْلًا ; ن، م: أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلٌ.
(¬4) ن: يَتَبَيَّنُ، أ، ع: تَبَيَّنَ.
(¬5) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬6) ب، أ: إِذَا اقْتَضَى.
(¬7) ب، أ: فَإِذَا.
(¬8) ب، أ: فَذَلِكَ.
(¬9) لَهُ: فِي (ع) فَقَطْ.
(¬10) ن، م: وَالْفِعْلُ الْقَبِيحُ مِنَ الْمَخْلُوقِ هُوَ قَبِيحٌ مِنْ فَاعِلِهِ.

الصفحة 34