كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ طَاعَةَ (¬1) الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، بَلْ لَا يُوجِبُونَ طَاعَتَهُ إِلَّا فِيمَا تَسُوغُ طَاعَتُهُ فِيهِ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا يُجَوِّزُونَ طَاعَتَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ إِمَامًا عَادِلًا (¬2) ، وَإِذَا (¬3) أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَأَطَاعُوهُ: مِثْلَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِقَامَةِ (¬4) الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا أَطَاعُوا اللَّهَ، وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ إِذَا أَمَرَ بِمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ لَمْ تَحْرُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَلَا يَسْقُطْ وُجُوبُهَا لِأَجْلِ أَمْرِ ذَلِكَ الْفَاسِقِ بِهَا، كَمَا أَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِحَقٍّ لَمْ يَجُزْ تَكْذِيبُهُ وَلَا يَسْقُطْ وُجُوبُ اتِّبَاعِ الْحَقِّ لِكَوْنِهِ قَدْ قَالَهُ فَاسْقٌ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُطِيعُونَ وُلَاةَ الْأُمُورِ مُطْلَقًا، إِنَّمَا يُطِيعُونَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) .
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] ، فَأَمَرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا وَأَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ ; لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 80] ، وَجَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬6) وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ طَاعَةً ثَالِثَةً ; لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَا يُطَاعُ طَاعَةً مُطْلَقَةً إِنَّمَا (¬7) يُطَاعُ فِي الْمَعْرُوفِ.
¬_________
(¬1) أ، ب: لَا يُجَوِّزُونَ.
(¬2) ن، م، وَ: عَدْلًا.
(¬3) أ، ب: فَإِذَا.
(¬4) أ، ب: بِإِقَامِ.
(¬5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(¬6) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬7) ن، م، و: لَا يُطَاعُ مُطْلَقًا إِنَّمَا.

الصفحة 387