كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي نَفْسِ الْحِكْمَةِ الْكُلِّيَّةِ (¬1) فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ، فَهَذِهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ مَعْرِفَتُهَا، وَيَكْفِيهِمُ التَّسْلِيمُ لِمَا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ (¬2) مَا لَوْ عَلِمَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَضَرَّهُمْ عِلْمُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ. وَلَيْسَ اطِّلَاعُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى حُكْمِ (¬3) اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ نَافِعًا لَهُمْ بَلْ قَدْ يَكُونُ ضَارًّا. قَالَ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 101] .

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (¬4) : مَسْأَلَةُ غَايَاتِ أَفْعَالِ اللَّهِ وَنِهَايَةِ حِكْمَتِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَعَلَّهَا أَجْلُ الْمَسَائِلِ الْإِلَهِيَّةِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى مَسَائِلِ الْقَدَرِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا تَنْبِيهًا لَطِيفًا عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ الْفِعْلِ (¬5) ظُلْمًا، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ مِنَ اللَّهِ، أَوْ قِيلَ (¬6) : إِنَّهُ مَقْدُورٌ، فَإِنَّ الظُّلْمَ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ أَنْ يُعَاقَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى عَمَلِ غَيْرِهِ، فَأَمَّا عُقُوبَتُهُ عَلَى فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَهُوَ مِنْ كَمَالِ عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي بَابِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (¬7) بَيْنَ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ
¬_________
(¬1) ب، أ: الْكَمِّيَّةِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬2) ب (فَقَطْ) : الْعُلُومُ.
(¬3) ب، أ: حِكْمَةِ
(¬4) ب، أ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(¬5) الْفِعْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(¬6) قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬7) ب، أ، ع: وَالتَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الصفحة 39