كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

قُلْنَا: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى مُفَارَقَةِ الثِّنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ بَعْضِهَا بَعْضًا، كَمَا فَارَقَتْ هَذِهِ الْوَاحِدَةُ. فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاكِ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ، بَلْ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إِلَّا مُبَايَنَةُ الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِينَ (¬1) . كُلِّ طَائِفَةٍ لِلْأُخْرَى. وَحِينَئِذٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّ جِهَةَ الِافْتِرَاقِ جِهَةُ ذَمٍّ لَا جِهَةُ مَدْحٍ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ وَالِائْتِلَافِ، وَذَمَّ التَّفَرُّقَ (¬2) . وَالِاخْتِلَافَ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] وَقَالَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 105] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ [وَالْفُرْقَةِ] (¬3) . .
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 159] وَقَالَ: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الْبَقَرَةِ: 213] ، وَقَالَ: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 4 \] .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَعْظَمُ الطَّوَائِفِ مُفَارَقَةً لِلْجَمَاعَةِ وَافْتِرَاقًا فِي نَفْسِهَا (¬4) . .
¬_________
(¬1) ن، م: الِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ
(¬2) ب فَقَطْ: التَّفْرِيقَ
(¬3) وَالْفُرْقَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ 2/63: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو نَصْرٍ فِي الْإِبَانَةِ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ وَاللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ
(¬4) ن، م، و: فِي نَفْسِهِ

الصفحة 467