كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي تَخُصُّ الْفِعْلَ لَا تَكُونُ لِلتَّارِكِ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْفَاعِلِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِحَالِ وُجُودِ الْفِعْلِ. ثُمَّ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْفِعْلِ، قَالُوا: لَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَحَالَ وُجُودِ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ التُّرْكُ. فَلِهَذَا قَالُوا: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ (¬1) وُجُودَ الْأَثَرِ مَعَ عَدَمِ (¬2) بَعْضِ شُرُوطِهِ الْوُجُودِيَّةِ مُمْتَنِعٌ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مِنَ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْفِعْلِ، فَنَقِيضُ قَوْلِهِمْ حَقٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ (¬3) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قُدْرَةٌ، لَكِنْ صَارَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ هُنَا (¬4) حِزْبَيْنِ؛ حِزْبًا قَالُوا: لَا تَكُونُ الْقُدْرَةُ إِلَّا مَعَهُ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعٌ وَاحِدٌ [لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ (¬5) ] ، وَظَنًّا مِنْ بَعْضِهِمْ (¬6) أَنَّ الْقُدْرَةَ عَرَضٌ فَلَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ.
وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مُصَحِّحٌ لِلْفِعْلِ يُمْكِنُ مَعَهُ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَهَذِهِ تَحْصُلُ (¬7) لِلْمُطِيعِ وَالْعَاصِي وَتَكُونُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهَذِهِ تَبْقَى (¬8) إِلَى حِينِ
¬_________
(¬1) ن، م، ع: فَإِنَّ.
(¬2) عَدَمِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(¬4) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(¬5) لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(¬6) ع فَقَطْ: وَظَنًّا مِنْهُمْ.
(¬7) ب، أ: تَصْلُحُ.
(¬8) ب، أ: وَهَذَا يَبْقَى.

الصفحة 47