كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)

وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 148] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ - قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 148، 149] ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَعْلَمُونَ بِفِطْرَتِهِمْ وَعُقُولِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ دَاحِضَةٌ بَاطِلَةٌ (¬1) .
فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ظَلَمَ الْآخَرَ فِي مَالِهِ، أَوْ فَجَرَ بِامْرَأَتِهِ (¬2) أَوْ قَتَلَ وَلَدَهُ، أَوْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الظُّلْمِ فَنَهَاهُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ هَذِهِ الْحُجَّةَ، وَلَا هُوَ يَقْبَلُهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهَا الْمُحْتَجُّ دَفْعًا لِلَّوْمِ بِلَا وَجْهٍ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَلْ (¬3) عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا بِأَنَّ هَذَا الشِّرْكَ وَالتَّحْرِيمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ (¬4) يَنْبَغِي فِعْلُهُ، إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، فَإِنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَكُمْ، بِذَلِكَ إِنْ تَظُنُّونَ ذَلِكَ إِلَّا ظَنًّا، وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ: تُحْرِزُونَ (¬5) وَتَفْتَرُونَ، فَعُمْدَتُكُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ظَنُّكُمْ وَخَرْصُكُمْ، لَيْسَ عُمْدَتُكُمْ (¬6) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَوْنَ اللَّهِ شَاءَ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ لَا يَكُونُ (¬7) عُمْدَةً لِأَحَدٍ فِي الْفِعْلِ، وَلَا حُجَّةً لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا
¬_________
(¬1) ب، أ: وَبَاطِلَةٌ.
(¬2) ب، أ: لَوْ ظَلَمَ الْآخَرَ أَوْ حَرِجَ فِي مَالِهِ أَوْ فَرَجَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(¬3) ن: قُلْ هَلْ. . . .
(¬4) مَصْلَحَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(¬5) تُحْرِزُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَحَرَزَ الشَّيْءَ يَحْرِزُهُ (بِضَمِّ زَايِ الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا) : قَدَّرَهُ بِالْحَدْسِ.
(¬6) ب، أ: لَيْسَ فِي عُمْدَتِكُمْ.
(¬7) ب، أ: فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ لَا تَكُونُ، م، ن: فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْقَدَرِ وَالْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ.

الصفحة 56