كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)
وَيُنْكِرُونَ الْقَدَرَ، وَبِمِثْلِ هَؤُلَاءِ طَالَ لِسَانُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَفَعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَاءَ [الْمَعَاصِيَ] هُوَ قَدْ قَصَدَ (¬1) تَعْظِيمَ الْأَمْرِ وَتَنْزِيهَ اللَّهِ عَنِ الظُّلْمِ وَإِقَامَةَ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ، لَكِنْ ضَاقَ عَطَنُهُ فَلَمْ يُحْسِنِ الْجَمْعَ بَيْنَ قُدْرَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ وَمَشِيئَتِهِ (¬2) الْعَامَّةِ وَخَلْقِهِ الشَّامِلِ، وَبَيْنَ عَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ (¬3) ، فَجَعَلَ لِلَّهِ الْحَمْدَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَمَامَ الْمُلْكِ.
وَالَّذِينَ أَثْبَتُوا قُدْرَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ وَخَلْقَهُ وَعَارَضُوا بِذَلِكَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ (¬4) ، شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَا قَالَ هَذَا الْمُصَنِّفُ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي إِفْحَامَ الرُّسُلِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَرُدُّ مِنْ أَقْوَالِ هَذَا وَغَيْرِهِ مَا كَانَ بَاطِلًا. وَأَمَّا الْحَقُّ فَعَلَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ مِنْ كُلِّ قَائِلٍ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّ بِدْعَةً بِبِدْعَةٍ، وَلَا يُقَابِلَ بَاطِلًا بِبَاطِلٍ، وَالْمُنْكِرُونَ لِلْقَدَرِ وَإِنْ كَانُوا فِي بِدْعَةٍ فَالْمُحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ أَعْظَمُ بِدْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ فَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ (¬5) الَّذِينَ قَالُوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ.
وَقَدْ كَانَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ] (¬6) جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْأَمْرِ فَلَا تُعْرَفُ لَهُمْ طَائِفَةٌ
¬_________
(¬1) م، ن: وَقَدْ قَصَدَ.
(¬2) أ، ب، ع: وَبَيْنَ مَشِيئَتِهِ.
(¬3) سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ
(¬4) سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(¬5) الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
الصفحة 77