كتاب منهاج السنة النبوية (اسم الجزء: 3)
بُعِثُوا بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ أَكْمَلُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ انْعَكَسَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِمْ، فَصَارُوا يَتَّبِعُونَ الْمَفَاسِدَ وَيُعَطِّلُونَ الْمَصَالِحَ، فَهُمْ شَرُّ النَّاسِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ يَجْتَلِبُونَهَا، وَأُمُورٍ يَجْتَنِبُونَهَا، وَأَنْ يَتَدَافَعُوا جَمِيعًا مَا يَضُرُّهُمْ (¬1) مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَلَوْ ظَلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي دَمِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ وَحُرْمَتِهِ (¬2) فَطَلَبَ الْمَظْلُومُ الِاقْتِصَاصَ وَالْعُقُوبَةَ، لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ احْتِجَاجَهُ بِالْقَدَرِ. وَلَوْ قَالَ: اعْذُرُونِي فَإِنَّ هَذَا كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيَّ. لَقَالُوا لَهُ (¬3) : وَأَنْتَ لَوْ فُعِلَ بِكَ هَذَا (¬4) فَاحْتَجَّ عَلَيْكَ ظَالِمُكَ بِالْقَدَرِ لِمَ تَقْبَلْ مِنْهُ.
وَقَبُولُ هَذِهِ الْحُجَّةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ الَّذِي لَا صَلَاحَ مَعَهُ، وَإِذَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ مَرْدُودًا فِي فِطَرِ جَمِيعِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ، مَعَ أَنَّ جَمَاهِيرَ النَّاسِ مُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ، عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَدَرِ لَا يُنَافِي دَفْعَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الِاحْتِجَاجِ بِهِ.
وَلَمَّا كَانَ الْجَدَلُ (¬5) يَنْقَسِمُ إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَالْكَلَامُ يَنْقَسِمُ إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ (¬6) ، وَكَانَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجِنْسَ إِذَا انْقَسَمَ إِلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَشْرَفُ مِنَ الْآخَرِ، خَصُّوا الْأَشْرَفَ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ (¬7) وَعَبَّرُوا عَنِ الْآخَرِ
¬_________
(¬1) ع: وَإِنْ تَدَافَعُوا جَمِيعًا مَا يَضُرُّهُمْ ; م، ن: وَأَنْ يَتَدَافَعُوا مَا يَضُرُّهُمْ جَمِيعًا.
(¬2) ب: فِي دَمِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حَرَمِهِ ; أ: فِي دَمِهِ وَمَالِهِ وَحُرْمَتِهِ ; م: فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ وَحُرْمَتِهِ.
(¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(¬4) أ، ب: ذَلِكَ.
(¬5) ن، م: الْجِدَالُ.
(¬6) سَاقِطٌ مِنْ (ع) .
(¬7) أ، ب: بِالِاسْمِ الْخَاصِّ.
الصفحة 84